الأخبار

أ. د. وائل عبد الرحمن التل : معلّم السّعادة: (1) معلّم التَّكوين

أ. د. وائل عبد الرحمن التل :  معلّم السّعادة: (1) معلّم التَّكوين
أخبارنا :  

كلُّ الأرض تحتفي رسمياً وشعبيّاً بالمعلّم في اليوم العالمي للمعلّم، لكنّ الطالب يحتفي بمعلّمه كلَّ يومٍ في مُستقبله إذا كان هذا المعلّم قد أسهم في تحقيقِ مستوياتٍ مرتفعةٍ من السّعادة لدى المتعلّمين أثناء تأدية أدواره في تكوينهم البِنائي منذ التحاقهم في الصّف الدّراسي الأوّل حتى نهاية التّعليم المدرسي، فيبدأ المعلّمُ مع هذه السّن المُبكّرة بذكاءٍ ووعيٍ في التفاعل الاجتماعي الثقافي مع المتعلّمين، كما تقول (أمارتيا صِن)، «بوصفهم كائناتٍ مُبدعة تُفكّر وتَتَصرّف وتُنتج وليس بوصفهم كائنات تحتاج إلى تلبية احتياجاتها»، ليبتعد المعلّمُ بهم أولاً عن نَمذجة تطلّعات الآباء التّقليدية المُتحيّزة، وتقديم تعليمٍ عادلٍ، وذي جودةٍ ونوعيةٍ عالية، وتهيئة فرص وعيٍ نوعيٍّ أمامهم، ومواكبة التغيرات الشّاملة التي يُحدثها القرن الحادي والعشرين، واستشراف المُستقبل للاستثمار فيهم بما هو مُكلّف من مهام تعليميّة، وباستخدام استراتيجيات تعليم وتعلّم نافِذَتَين، وبإبداعِ تعليمٍ مُصاحبٍ يصنعُ الفرقَ في تعميق تعلّمهم الشّامل، وفي تنمية اتجاهات إيجابيّة وخلّاقة لديهم.
هذا هو الدّور الحقيقي للمعلّم، معلّم السّعادة، في التَّكوين البِنائي للمتعلّمين ليكونوا مُزوَّدين ومُتسلحين باتجاهات ومهارات وممارسات المُستقبل المنافِسَة في وظائف القرن الحادي والعشرين والسّوق والتنمية، ومُبدعين في مجالاتهم، ومُنتجين في مساراتهم، فتَتَحقّق بهذا التَّكوين لهم ولآبائهم ولأوطانِهم السّعادة، فنحنُ ليس علينا الانتظار الطويل، بروتينٍ ومَلَل وقَلَق التّحصيل، لاثني عشر عاماً، هي سنوات التعليم العام، حتّى يبدأ هذا التَّكوينُ مع التّعليم العالي.
وقد بَدَأَتْ بهذا التَّكوين البِنائي، وتفعَلُهُ فِعلاً، العديدُ من المدارس العالميّة مع طلبتها منذ دخولهم المدرسة في الصّف الدّراسي الأوّل، وربما قبل ذلك، حتى صِرنا نلحظُ حجم السّعادة لدى هؤلاء الطلبة عند عرض نتاجات إبداعاتهم وابتكاراتهم ومشاريع براءات اختراعاتهم، الفرديّة والجماعيّة، كما نلحظُ حجم السّعادة لديهم عند رسم كلمات فَخرهم بمعلّميهم عند التقدّم بهذه النِّتاجات والمشاريع للمنافسات الوطنيّة والعالميّة.
يتّضحُ جَليّاً أنّ معلّم السّعادة في التَّكوين البِنائي، وكما نتبيّنُهُ أيضاً في الأدب التربوي العالمي، (إنسانٌ قائدٌ) يُقيمُ علاقةً وثيقة بتفاعله مع المتعلّمين بالتعليم والتعليم المُصاحب واللعب والأنشطة المدرسية، فهذه العلاقة هي التي تُشكّلُ قلبَ التّعليم، وهي الأكثر أهميّة في عملية التّشكيل الذهني والاجتماعي للطالب ليُنتِج فيُبدع ويَبتكر ويختَرِع. (مُلهِمٌ) يتعامل مع المتعلّمين بوصفهم أفراداً قادرين على التفكير والتقييم والحل والإلهام والفعل. (قادرٌ) يؤدّي مهامه التعليميّة والتربوية بما يمتلكُهُ من أفكارٍ وتصورات ومعارف، ومن قُدرةٍ على توليدها وتطويرها، وقُدرةٍ على الاستشراف، وقُدرةٍ على مواجهة وتحدّي تجارب المتعلّمين وأفكارهم فيجعل من تبايُنِها مَهمّة لتعزيز وعيهم. (الباني) يبني القِيَمَ الفاعلة في تكوين المتعلّمين العقلي والنفسي والإنساني، كما يبني الاتجاهات الثقافية الإيجابية المؤثّرة في مسار حياتهم المستقبلية. (القُدوة) يُقرِنُ عِلْمَهُ بالعمل بتقديمه أفضل الممارسات التربوية، وبتمثّله القيم السّامية، فيبقى أنموذجاً حيّاً لاقتداء المتعلّمين. (المطوّر) يطوّرُ وعيَ المتعلّمين التّنموي، الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومفاهيم المواطنة الصّالحة بخاصّة مفهومي المسؤوليّة والمُشاركة، وقيم المواطنة الفعّالة بخاصّة قيم الانتماء والوفاء والشّجاعة والنزاهة والتفكير النقدي.
أخيراً: معلّمُ التَّكوين البِنائي معلّمٌ للسّعادة، وللحديث بقيّة حول معلّم السّعادة في التعليم الإيجابي، والسّلام.

ــ الدستور

مواضيع قد تهمك