ناديا ابراهيم نوري تكتب : أمة “اقرأ” لا تقرأ!

بقلم: نادية إبراهيم نوري
في إحدى دورات التنمية البشرية التي حضرتها، طلبت منا المحاضِرة أن نتخيل أنفسنا بعد خمس سنوات: أين نكون؟ وماذا نحقق؟
قالت إحداهن: "أرى نفسي أمتلك مطعمًا يعج بالزبائن”، وقالت أخرى: "أتمنى أن أصبح أشهر صانعة حلوى في مدينتي”، وثالثة تخيلت نفسها صاحبة مقهى ترتدي زيًّا خاصًا يحمل شعارًا مميزًا.
وعندما حان دوري، قلت ببساطة: "أرى نفسي بين قصصٍ للأطفال من تأليفي، أقرأها لأحفادي بسعادة”.
اندهشت السيدات من رغبتي، كأنني قلت أمرًا خارجًا عن المألوف. لكنني لم أبالِ بنظرات التعجب. كان ذلك حلمي، وقد شارف عمري على الستين، ولكن من قال إن الحلم له عمر؟
وبالفعل تحقق الحلم، وصار أحفادي يقرؤون قصصي، بل ويحكونها لأصدقائهم. ومع ذلك، لا زلت أواجه السؤال ذاته:
"لماذا تهدرين وقتك في شيء لم يعد له جمهور؟ من يقرأ القصص اليوم؟ الأطفال مشغولون بالشاشات، والقصص الورقية مصيرها سلة المهملات!”
أعترف أنني كنت أتألم من هذه الكلمات، لكنني لم أستسلم. تذكرت مقولة الكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع حين كتب لأحد القراء:
"كن أنت حجر الأساس في أسرتك. اصنع أنت تاريخها إن لم يكن لها تاريخ.”
فقلت لنفسي: إن لم يكن أطفالنا يقرأون، لماذا لا أكون أنا البداية؟ لماذا لا أخلق جيلاً يعشق القراءة بدلًا من الاكتفاء بالشكوى من غيابها؟
قررت أن أقدّم إحدى قصصي لحضانة مميزة، وأدهشتني النتيجة: الأطفال ما بين سنتين إلى أربع سنوات تجمّعوا حول المعلمة يستمعون بانتباه وشغف. حفظوا أحداث القصة، ورووها لآبائهم وكأنهم كانوا أبطالها!
عندها، خطر لي السؤال القديم الجديد:
هل الأطفال لا يحبون القراءة، أم أننا نحن الكبار لم نوجّههم إليها بالشكل الصحيح؟
نرى كيف يحرص الأهل في دول الغرب على قراءة قصة لأطفالهم كل ليلة قبل النوم، حتى باتت طقوسًا يومية. رأيت طفلًا يقرأ قصة لقطته، وكأنها مستمعة وفية.
أما نحن، أمة "اقرأ”، فنتجاهل الكلمة التي بدأت بها رسالتنا الخالدة، وكأنها لم تكن!
أين ذهبت مجلات الأطفال التي ملأت طفولتنا؟ أتذكر كيف كانت ابنتي تتلقّى مجلة "بلبل”، حيث تنشر رسومات الأطفال وكتاباتهم، وتُكافأ أفضل المشاركات بهدية رمزية وشهادة تقدير. كانت تلك اللحظات تصنع الإلهام وتحفّز الخيال.
اليوم، أدعو كل أب وكل أم، كل معلّم وكل كاتب، أن يعيدوا الحياة إلى الكتاب الورقي، أن يعيدوا الاعتبار للقراءة في زمن سرقته الشاشات.
إن أردنا مستقبلًا أفضل، فلنصنعه من خلال أطفالنا.
ولنبدأ معهم بـ”اقرأ”… فقد كانت الكلمة الأولى، وهي الأهم