في ذكرى الاستقلال ... اقتصاد أخضر وإنجازات بيئية مستمرة نحو مستقبل مستدام

في ذكرى استقلال الأردن، تبرز الإنجازات البيئية كأحد أهم المسارات
التنموية التي سلكتها المملكة بثبات منذ عام 1946، حيث وضعت القيادة
الهاشمية حماية البيئة في صلب أولوياتها، مؤكدة التزامها الراسخ بتحقيق
التنمية المستدامة والتصدي لتحديات التغير المناخي وتعزيز الاقتصاد الأخضر
بالرغم من محدودية الموارد والتحديات الإقليمية المتعاقبة.
ومنذ فجر الاستقلال، حصل الشأن البيئي على اهتمام خاص، متجاوزا جميع التحديات ليُرسي قواعد صلبة لمسيرة بيئية متقدمة.
وأكد
رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر شوشان أن حماية البيئة رحلة إرادة
وإنجاز، مشيراً إلى أن الرؤية الاستباقية التي بدأت في مطلع الستينيات
تمثلت بتأسيس شبكة من المحميات الطبيعية التي تُوجت أخيرا، بمحمية العقبة
البحرية "الجوهرة الزرقاء" التي جاءت بتوجيهات مباشرة من جلالة الملك
عبدالله الثاني وسمو ولي العهد بهدف حماية التنوع البيولوجي والأنواع
المهددة بالانقراض، موضحا أن هذه المحمية حصلت على اعترافات دولية، منها
إدراجها ضمن قائمة التراث الطبيعي العالمي لليونسكو والقائمة الخضراء
للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، ما يعكس الإرادة القوية لصون الإرث البيئي
الأردني.
وقال إنه على مدار 79 عاماً تجسدت هذه الإرادة في محطات فارقة،
حيث انضم الأردن مبكراً إلى الاتفاقيات البيئية الدولية مثل اتفاقية
رامسار عام 1977 واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام
1993، ما عزز من مكانة المملكة كشريك فاعل في قضايا المناخ العالمية وتكثفت
هذه الجهود في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني الذي قاد التحول نحو
الاقتصاد الأخضر من خلال سياسات طموحة، منها استراتيجية الطاقة المتجددة
التي رفعت نسبة الطاقة النظيفة إلى نحو 29 بالمئة من إنتاج الكهرباء بحلول
عام 2023 عبر مشاريع شمسية ورياح واعدة.
من جهته، أوضح مدرب المشاريع
البيئية في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور فهمي أبو الرب، أن تطور
المؤسسات والوعي البيئي جعل قضايا البيئة جزءاً لا يتجزأ من خطط الأردن
التنموية منذ استقلاله، وقد أسهمت الدولة في تأسيس مؤسسات معنية بالبيئة
مثل وزارة البيئة ووضع استراتيجيات وطنية للتنوع الحيوي والطاقة المتجددة
إلى جانب قوانين ناظمة مثل قانون حماية البيئة رقم 52 لسنة 2006، كما تم
تمكين المجتمع المدني من خلال دعم الجمعيات البيئية وتعزيز دوره في التوعية
وصنع القرار ودمج البيئة في الاقتصاد الوطني عبر مشاريع السياحة البيئية
والطاقة النظيفة.
وأشار الى أنه رغم ندرة الموارد والتحديات
الديموغرافية، حقق الأردن إنجازات بارزة مثل إنشاء محميات ضانا، الشومري
والأزرق بإشراف الجمعية الملكية لحماية الطبيعة وتحسين إدارة الموارد
المائية من خلال السدود والحصاد المائي.
كما ساهم الانضمام إلى اتفاقيات
مثل باريس للمناخ والتنوع الحيوي ومكافحة التصحر في تثبيت التزام الأردن
بالمعايير الدولية، وأسهم نشر الوعي البيئي من خلال المناهج والإعلام
والمبادرات المجتمعية والتخلص من المواد الخطرة بالتعاون مع منظمات دولية
في تعزيز الثقافة البيئية المجتمعية.
بدورها، أكدت المتخصصة في السياسات
البيئية البروفيسورة منى هندية، أن مسار حماية البيئة في الأردن بدأ منذ
عقود على أسس من السيادة والاستدامة، مشيرة إلى أن تأسيس وزارة البيئة عام
2003 شكل تحولاً نوعياً في الإطار التنظيمي، بينما لعبت وزارات أخرى مثل
الزراعة والصحة والمياه أدواراً محورية سابقاً.
وبينت أن الأردن يعد
رائدا إقليميا في حماية التنوع الحيوي من خلال محميات طبيعية أصبحت
انموذجاً في الإدارة المستدامة والسياحة البيئية.
واعتبرت هندية أن
مشروع "ناقل مياه الديسي" يمثل قصة نجاح أردنية في تحقيق الأمن المائي رغم
التحديات المرتبطة بالتكلفة والتغير المناخي وأعداد اللاجئين، موضحة أن
المشروع عزز من جودة التزويد المائي في عمان والمحافظات.
ولفتت الى أن
المملكة تبنت منذ سنوات استراتيجية وطنية لإدارة المياه شملت التحلية
وإعادة الاستخدام والحصاد المائي وبناء السدود، حيث يغطي التزويد بالمياه
الصالحة للشرب 98 بالمئة من السكان وتصل خدمات الصرف الصحي إلى 68 بالمئة،
كما تنفذ الحكومة خططاً لتقليل الفاقد المائي وتحسين أداء الشبكات باستخدام
عدادات ذكية والطاقة المتجددة.
وأشارت هندية الى أهمية مشروع تحلية
مياه البحر الأحمر كحل جذري طويل الأمد، حيث سيتم استخدام الطاقة المتجددة
لضخ المياه إلى عمان والمحافظات، وكذلك ارتفعت مساهمة الطاقة المتجددة في
تزويد مشاريع المياه، ما يعكس التكامل بين قطاعي المياه والطاقة ضمن رؤية
بيئية مستدامة.
كما أشارت الى أهمية دمج البيئة في التعليم وإطلاق حملات
توعية وطنية، مبينة أن الجامعات الأردنية تحتضن مراكز أبحاث فاعلة في
مجالات البيئة والطاقة والمياه والزراعة، ما يخلق حاضنة للابتكار الأخضر.
وبينت
أن الأردن يعمل تماشياً مع رؤية التحديث الاقتصادي على توسيع النقل
المستدام والتشجير وإدارة النفايات بطرق حديثة، إضافة لتعزيز الاقتصاد
الدائري.
ونوهت بإعداد الخطة الوطنية التنفيذية للاقتصاد الأخضر
(2021–2025) بالتعاون مع مؤسسات القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني
التي تركز على ستة قطاعات رئيسية تشمل الطاقة والمياه والنفايات والزراعة
والسياحة والنقل، ومن الأمثلة على تطبيقاتها ترخيص 183 منشأة لإدارة
النفايات بينها منشآت لإعادة تدوير البطاريات والزيوت والإطارات وتأسيس 34
محطة لجمع النفايات الإلكترونية وإطلاق أول مركز "لبنوك التدوير" في
العاصمة عمان.
وأضافت إن الأردن بالرغم من محدودية موارده أثبت قدرته
على الجمع بين التنمية وحماية البيئة، إضافة إلى أنه يمضي اليوم بثقة نحو
مستقبل مستدام يرتكز على الابتكار والتعاون بين الدولة والمجتمع ويُعلي من
شأن الأجيال القادمة في التخطيط والسياسات، مشددة على أن الأردن الأخضر لم
يكن شعاراً بل مساراً وطنياً متكاملاً امتد منذ الاستقلال ويستمر الى اليوم
برؤية واضحة نحو الغد.
-- (بترا)