القس سامر عازر : الإستقلال عهد يتجدد لمواصلة العمل والبناء

القس سامر عازر
نحتفل في الخامس والعشرين من أيار من كل عام بعيد استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، دولةً حرةً ذات سيادة، ترفع رايتها في سماء العز والكرامة. ومع حلول الذكرى التاسعة والسبعين لهذا الحدث الوطني الخالد، نستحضر المسيرة الطويلة التي خاضها الأردن، قيادةً وشعباً، نحو بناء دولة المؤسسات والقانون، دولة الإنجاز والوحدة والتقدم.
فالإستقلال مسيرة إنجاز مستمرة منذ اللحظة الأولى للإستقلال عام 1946، ولم يكن هذا الحدث مجرد إعلان سياسي، بل انطلاقة لمسيرة متواصلة من العمل والإنجاز. فقد استطاع الأردن، رغم محدودية موارده وتحدياته الإقليمية، أن يشق طريقه بثبات نحو البناء والتنمية، وأن يحقق قفزات نوعية في مختلف المجالات: في التعليم، في الصحة، في البنية التحتية، وفي بناء الإنسان الأردني المؤهل والمثقف.
والإستقلال مسيرة التحديث السياسي والإقتصادي والإجتماعي انطلاقاً من الرؤية الملكية السامية. ولقد شهد الأردن في العقود الأخيرة نهجاً واضحاً في التحديث، شمل المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية. فقد تعززت الحياة الديمقراطية، وتوسعت المشاركة الشعبية من خلال الأحزاب والبرلمان، وتقدمت الإصلاحات الإقتصادية الهادفة إلى تحفيز النمو وتحقيق الإعتماد على الذات والمشاريع الريادية، كما برزت المبادرات المجتمعية والتنموية التي تسعى إلى تمكين الإنسان الأردني وتعزيز العدالة الاجتماعية.
والإستقلال مسيرة تجديد العهد بالوحدة الوطنية التي تشكل الركيزة الأساسية لأمن الأردن واستقراره. فالمجتمع الأردني، بتنوعه وتعدديته الدينية والثقافية، هو نموذج فريد للتلاحم والتآخي، حيث يلتقي الجميع تحت مظلة الدولة ومفهوم المواطنة. وقد شكل التكاتف بين أبناء الشعب الأردني في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية دليلاً ساطعاً على هذه الوحدة الراسخة.
والإستقلال مسيرة الوئام الديني والعيش المشترك وتعزيز الهوية الأردنية التي تميز الأردن بتجربته الرائدة في الوئام الديني والإحترام المتبادل بين مكونات الشعب، انطلاقاً من القيم الإسلامية والمسيحية المشتركة، ومن نهج الهاشميين في رعاية المقدسات وحماية الحريات الدينية. ولقد شكّل هذا الوئام أحد أركان الهوية الوطنية الأردنية، التي تعتز بمقدساتها وتحتضن جميع مكوناتها بروح الإنتماء والإحترام.
والإستقلال مسيرة الإعتماد على الذات كخيار استراتيجي في خضم التحديات الاقتصادية التي تواجه المنطقة والعالم من خلال تعزيز الإنتاج المحلي، وتطوير مصادر الطاقة، وتحفيز الإبتكار والريادة، واستثمار الطاقات الشبابية. فالإستقلال لا يكتمل إلا حين تكون الدولة قادرة على تأمين احتياجاتها بقدراتها وتوجيه مسيرتها.
والإستقلال مسيرة موقف ثابت لايتغير تجاه القضية الفلسطينية، فلا يغيب عن وجدان الأردنيين التزامهم التاريخي والراسخ تجاه القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب المركزية، وجزءاً من ضمير الأمة ووجدانها. فقد كان الأردن، بقيادته الهاشمية، ولا يزال، في طليعة المدافعين عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشرقية. وفي ظل العدوان المستمر على غزة، يواصل الأردن جهوده الدبلوماسية والإنسانية والإغاثية، ويقف إلى جانب أهلها بكل ما يملك من إمكانيات، إيماناً بعدالة القضية، ورفضاً للظلم، وانتصاراً للإنسانية. إن الموقف الأردني هو تجسيد حقيقي لإستقلال الإرادة، والتزامٍ لا يتزعزع بالحق والعدالة.
وختاما، فإنَّ عيد الاستقلال التاسع والسبعين ليس مجرد ذكرى نحتفل بها، بل هو عهد يتجدد كلَّ عام لمواصلة العمل، والبناء، وتعزيز الإنتماء، والمحافظة على الإنجاز، وتحصين الوطن في وجه التحديات.
كل عام والأردن بخير، بقيادته الهاشمية، وشعبه الوفي، وأرضه الطيبة، ومسيرته التي لا تعرف التوقّف.