الأخبار

د. خالد الشقران يكتب : «عربات جدعون».. توظيف الرموز الدينية لتبرير الإبادة الجماعية

د. خالد الشقران يكتب : «عربات جدعون».. توظيف الرموز الدينية لتبرير الإبادة الجماعية
أخبارنا :  

تُعد عملية «عربات جدعون» التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، مثالا صارخا على توظيف الرموز الدينية التوراتية لتبرير العدوان العسكري وتغطية جرائم الحرب ضد الفلسطينيين.

فمن خلال اختلاق سرديات دينية يهدف الاحتلال إلى إضفاء الشرعية على أعمال الإبادة التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما يعد محاولة لإعادة إسرائيل إنتاج الأساطير التوراتية كأداة لتبرير التطهير العرقي وتهجير السكان، مستغلة الانحياز الأعمى الذي تمارسه بعض القوى الدولية للخطاب الديني المقدس.

في الرواية الدينية تعود قصة «جدعون» إلى سفر القضاة في التوراة، حيث قاد 300 مقاتل لهزيمة جيش المديانيين بخطة تعتمد على الإيمان والتكتيك بدلا من العدد، لكن إسرائيل حولت هذه القصة إلى رمز عسكري يستخدم في تسمية عملياتها، مثل «عملية جدعون» عام 1948 لاحتلال بيسان الفلسطينية وقتل سكانها وتهجيرهم، وصولًا إلى «عربات جدعون» الحالية التي تهدف إلى احتلال غزة بالكامل وقتل سكانها وتهجيرهم.

تصور الرواية الصهيونية هذه العمليات كـ «مهمة مقدسة» لإنقاذ دولة الاحتلال، مستندة إلى فكرة «القلة المؤمنة» التي تنتصر على «الكثرة الغازية»، مع تجاهل تام للسياق الاستعماري الذي يكرس الاحتلال وأعماله الإجرامية واللاإنسانية ويجرد الفلسطينيين من حقوقهم التاريخية المشروعة.

وفقا للخطة العسكرية الإسرائيلية، تشمل العملية ثلاث مراحل أولها التطهير المكاني عبر قصف مكثف لدفع السكان إلى النزوح من شمال غزة إلى مناطق معدة مسبقا في الجنوب، تحت ذريعة إنشاء «مناطق إنسانية آمنة»، والتي تدار بواسطة شركات إسرائيلية وأمريكية، ثم الاجتياح البري لتدمير البنية التحتية واستهداف المدنيين و«كسر الإرادة» الفلسطينية، مع فرض سيطرة عسكرية طويلة الأمد، ويتم في المرحلة الثالثة إعادة التشكيل الديموغرافي من خلال منع عودة النازحين وإنشاء غيتوات عازلة، تمهيدا لضم الأراضي المحتلة، وهو ما يظهر بوضوح كيف تحول دولة الاحتلال الأسطورة الدينية إلى غطاء لعمليات إبادة جماعية، حيث يستخدم القصف الجوي والتمويه الإعلامي - مثل تسمية المناطق المهجرة بـ«المناطق الآمنة»- لترويج السردية الصهيونية القائمة في الأصل على الاجرام والتنكيل بالشعب الفلسطيني.

هذا التوظيف السياسي للدين وتزييف الوعي لا يقتصر على الجانب العسكري، بل يمتد إلى توظيف الخطاب الديني في صناعة الوعي الجماعي، فدولة الاحتلال التي تقدم نفسها كـ«وريثة الشرعية التوراتية»، تستخدم مصطلحات مثل «أرض الميعاد» و«الشعب المختار» لتبرير الاستيطان، وفي حالة «عربات جدعون» يظهر بشكل جلي التزييف المتعمد للنص الديني لأغراض دعائية، إذ تقارن وسائل الإعلام العبرية بين القائد التوراتي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وتقديم الأخير الذي يواجه معارضة داخلية كقائد «مختار» لتحقيق النصر وكـ «منقذ» لليهود في مواجهة «همجية» المحيط الفلسطيني والعربي.

إن اختطاف الرموز الدينية يضفي شرعية زائفة على جرائم الحرب، ويزيد من تأجيج مظاهر الصراع الديني في منطقة تعاني أصلاً من صراعات دينية وعرقية متعددة الاتجاهات، فضلا عن ذلك، يتم تشبيه جيش الاحتلال بـجنود «جدعون» الذي تمثل قصته قصة «طالوت» المذكورة في القرآن الكريم (سورة البقرة)، حيث انتصر جيش صغير على جيش جالوت رغم التفاوت العددي، مع اختبار مشابه لشرب الماء من النهر، لكن في حالة الرواية الصهيونية ثمة محاولة بائسة وفاشلة لتبرير الإجرام والقتل والدمار الممنهج ضد الفلسطينيين ومقدراتهم وبناهم التحتية في مختلف مدنهم وقراهم ومخيماتهم.

تكشف «عربات جدعون» كيف تحول دولة الاحتلال التراث الديني إلى سلاح ذي حدين: عسكري لقتل الفلسطينيين، وسياسي لتضليل الرأي العام، فبينما تصور العملية كـ «معجزة توراتية»، فإن الواقع يظهر دمارا ممنهجا لحياة مليوني مدني في غزة وأكثر منهم في الضفة، وسط صمت دولي يشرعن استخدام الدين كأداة للقتل والقمع، وعليه فإن مواجهة هذا التوظيف تتطلب جهودا عربية ودولية حثيثة لفضح الآلية الدعائية التي تستند إليها دولة الاحتلال، وإبراز الجرائم الإنسانية التي ترتكب باسم الأساطير المقدسة. ــ الراي

مواضيع قد تهمك