اسماعيل الشريف يكتب : ترامب يغضب من نتن ياهو

ليس للولايات المتحدة أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون، بل مصالح دائمة- كيسنجر.
في الولاية الأولى لترامب 2017–2021، كانت علاقته بمجرم الحرب نتن ياهو كما يُقال «سمنًا على عسل». تبنّى ترامب خطوات تاريخية لم يُقدِم عليها أي رئيس أمريكي من قبله، منها الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان، ونقل السفارة الأمريكية إليها، والاعتراف بضمّ الجولان، إضافة إلى انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران. وقد وصفه نتن ياهو آنذاك بأنه أعظم صديق حظيت به «إسرائيل» في البيت الأبيض.
لكن رغم ذلك، كان نتن ياهو أوّل من أدار ظهره لترامب، إذ كان من أوائل المهنئين لبايدن بفوزه في الانتخابات الرئاسية، في وقت كان ترامب يصرّ على أن الانتخابات مزوّرة ويطعن في نتائجها. اعتبر ترامب خطوة نتن ياهو خيانة شخصية، وقال في إحدى المقابلات عندما سُئل عنه: «تبا له، لقد كان أول من هنّأ بايدن، لم يتصل بي منذ ذلك الحين، لم أعد أطيقه».
وأثناء حملته الانتخابية، وجّه ترامب عدة انتقادات لنتن ياهو، من بينها اتهامه بعدم الاستعداد لهجوم السابع من أكتوبر، كما كشف أن نتن ياهو تراجع عن المشاركة في عملية اغتيال قاسم سليماني عام 2020 في اللحظات الأخيرة. وقد أثار هذا التصريح استياء الكيان الصهيوني والبيت الأبيض، اللذين ندّدا به علنًا.
ومع استمرار الإبادة الجماعية، صرّح ترامب بأن على الكيان «إنهاء المهمة بسرعة»، مشيرًا إلى أنه يخسر معركة العلاقات العامة عالميًا. كما وجّه رسالة مباشرة إلى نتن ياهو يأمره فيها بوقف الإبادة قبل أن يعود هو إلى البيت الأبيض، وهو ما تم.
ثم، بعد أن وصل ترامب إلى البيت الأبيض، أعلن عن خطته بشأن غزة، والتي تمثلت في ترحيل الفلسطينيين من القطاع، وإقامة منتجعات سياحية على جماجم أطفال غزة تحت إدارة أمريكية. وبذلك، منح نتن ياهو الضوء الأخضر لاستئناف الإبادة، التي عادت من جديد، لكن هذه المرة لتحقيق رؤية ترامب وأهدافه الخاصة.
ومع مواصلة نتن ياهو إبادة الفلسطينيين، بدأت الإمبراطورية الأمريكية تتصرف بشكل منفرد، بعيدًا عن مصالح الكيان، فانخرطت في مفاوضات مباشرة مع أشد أعدائه، واتخذت من التفاوض مع إيران خيارًا استراتيجيًا. كما توصّلت إلى اتفاق مع الحوثيين لوقف إطلاق النار، ما ترك الكيان وحيدًا في مواجهتهم، ومنح الحوثيين جرأة غير مسبوقة، فأصبح مطار بن غوريون شغلهم الشاغل. وفي خطوة أخرى أثارت الحرج، تفاوضت واشنطن مع حركة حماس لإطلاق سراح الجندي الصهيوني الأمريكي الأخير لديها، إدان ألكسندر، مما زاد من عزلة نتن ياهو ومآزقه السياسية.
ورغم وضوح غضب ترامب تجاه نتن ياهو، لم ينعكس ذلك على غزة، فالمجاعة مستمرة، وأُطلقت عملية «عربة جدعون»، وهي المرحلة النهائية من الإبادة، وتهدف إلى قتل أكبر عدد ممكن من سكان غزة، وتهجيرهم، واحتلال القطاع بالكامل. وقد كانت التوقعات تشير إلى احتمال توقف الحرب خلال زيارة ترامب لدول الخليج، لكن ذلك لم يحدث. ولو أراد ترامب إيقاف المجزرة، لأوقفها.
يستخدم ترامب مجرم الحرب نتن ياهو أداة لتحقيق أهدافه المُعلنة بتحويل غزة إلى منطقة تحت الوصاية الأمريكية، فيُطلق يده لتنفيذ الإبادة، بينما يتظاهر هو بالابتعاد عنه وينتقده إعلاميًا، ليُحمّله وحده مسؤولية المجزرة، ويُبقي لنفسه صورة «الرجل الساعي للسلام». لكنه، في الواقع، لم يتخذ حتى الآن أي خطوة لوقف المجزرة. وقد صرّح هو وكبار مسؤولي إدارته بأن المساعدات ستدخل غزة الشهر المقبل، والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لا تدخل الآن؟
سيأتي اليوم الذي سيُعلن فيه ترامب وقف هذه الحرب، ويدخل إلى غزة في هيئة المنقذ لأهلها، وسنُصفّق له. سيكون قد رتّب مسبقًا مع دول أخرى لاستقبال أعداد من سكان القطاع، فيما سيُمنح من تبقّى صفة «رعايا الولايات المتحدة الأمريكية»، ضمن خطة مدروسة لتفكيك غزة وتغيير هويتها تحت غطاء إنساني .
وأعتقد أن الولايات المتحدة قد وصلت إلى قناعة بأن الكيان، بصيغته الحالية، لم يعُد يخدم مصالحها الاستراتيجية، وآن الأوان لتثبيت موطئ قدم مباشر لها في المنطقة، بما يضمن تحقيق مصالحها العليا، وإبقاء دول الإقليم تحت وصايتها، ومنع أي من القوى الكبرى، وعلى رأسها الصين وروسيا، من امتلاك أي نفوذ فيها. ــ الدستور