رمزي الغزوي : حين يتحول التاريخ إلى مرآة مكسورة

منذ ثمانية عقود، لم تكن العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والدولة مواقف سياسية عابرة، بل سردية وطنية معقدة، نسجت تفاصيلها بالتوازي مع نبض الشارع وتقلبات الإقليم. لكن يبدو أن فصول الرواية اقتربت من نهايتها. لا لشيء، بل لأن الجماعة اختارت الرهان على الوهم بدل الحكمة، وعلى الغرور بدل الفهم العميق للدولة ومعانيها.
تصرفت الجماعة، في لحظة سياسية مضطربة، كما لو كانت دولة داخل الدولة، وكأنها تمتلك مفاتيح الشارع، والصواب المطلق، فذهبت إلى معركة خاسرة مع منظومة كانت دوما تحرص على منحها الهامش، وتجنب المواجهة. لكنها، للأسف، قابلت الترفق بالتمرد، والاحتواء بالتحدي، والشرعية بالضجيج.
ولم يكن سقوط الجماعة وليد يوم أو سنة، بل نتيجة تراكمات من المغالبة والتشظي الداخلي، ورضوخها لحسابات قيادات خارجية غادرت الأردن محملة بمرارة سياسية، فعادت تتسلل إلى الساحة الأردنية عبر نوافذ مظلمة، وتخوض معركتها من بعيد. كان المشهد مأساويا: صقور ضد الحمائم، وطن يقابل بالتحريض، وشباب يدفعون إلى التهلكة تحت شعارات مستعارة من معارك لا تخصهم.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل كان ما جرى مجرد إخفاق تنظيمي داخل الجماعة، أم أنه انعكاس لتحول أعمق في رؤيتها لذاتها ولدورها؟ لقد استبدلت الجماعة دورها الاجتماعي والسياسي المتوازن بحالة من التصلب واليقين الأيديولوجي، ففقدت قدرتها على قراءة التحولات، وانشغلت بمعاركها الداخلية والخارجية، حتى عجزت عن تقديم خطاب يستوعب المتغيرات أو يتناغم مع نبض المجتمع الأردني. لم يكن ذلك خيارا واعيا بقدر ما كان انجرافا تدريجيا نحو قطيعة مع الواقع.
لقد ترك هذا التشوه مساحة رمادية، سمحت للخلط بين التدين والتمكين السياسي، وبين الإيمان والعنف. فكانت النتيجة: تطرف يتخفى بلباس الشرعية، وصراع على الدين لا من أجل الدين.
الأمم لا تتقدم إلا حين تجري جراحة مؤلمة في ذاكرتها، وتقرأ خيباتها بعيون مفتوحة، لا بأوهام العقيدة. ــ الدستور