الأخبار

د محمد العزة يكتب : الحياة السياسية والأحزاب الأردنية إلى اين ؟

د محمد العزة يكتب : الحياة السياسية والأحزاب الأردنية إلى اين ؟
أخبارنا :  

د محمد العزة :

١.ما الاسباب التي جعلت الاردن يتجه نحو العودة إلى الحياة الحزبية و الاعلان عن دورها المستقبلي في تشكيل الحكومات البرلمانية الحزبية ؟
٢.هل الأحزاب ضرورة ام رفاهية شكلية في نظام الدولة الأردنية السياسي المستقبلي ؟
٣. ما الاستراتيجية التي ستبني و تتبناها الأحزاب في اختيار اساسها ولونها السياسي لتحفيز المشاركة الشعبية الحزبية ؟
العام 1989 شكل احد مراحل التجديد و التحولات للحياة الديمقراطية الأردنية اذ شهد الاردن اولى الانتخابات البرلمانية بعد إصدار الراحل الباني الملك الحسين بن طلال قرار رفع حالة الطوارئ و إنهاء التعامل بالاحكام العرفية و عودة النشاط للفعاليات الفردية أو المؤسسية السياسية المدنية ، ليضم ذلك المجلس آنذاك ثلة من النخبة السياسية البرلمانية التي مازال الأردنيون يذكرونهم و يضربون بهم المثل بالجرأة و الصراحة في طرق و طرح المواضيع و تبني نهج المنطق و الموضوعية في الجلسات النقاشية مع الحكومة ضمن الحالة الفردية لكل شخصية و مواقفها ، ليشكل مجلس 89 حالة سياسية برلمانية ترسخت في الذاكرة الأردنية ، ولم تخلو دورته من الأحداث السياسية التي مر بها الاردن و تعامل معها ضمن القنوات الديبلوماسية و السياسية المشروعة اللازمة واهمها حرب الخليج الأولى ومؤتمر مدريد للسلام و توقيع اتفاقية وادي عربة ، توالت المجالس النيابية تباعا وفق مددها القانونية وعبر الانتخابات التشريعية في الوقت الزمني المحدد لإقامتها ليصل و يتواتر إلى قبتها من أفرزته تلك الانتخابات وعلى هذا الحال إلى يومنا هذا ، بعيدا عن سرد وتعداد الأحداث السياسية الخارجية و الداخلية أو الحكومات الوزارية التي تزامنت و تشكلت طول عهدها والقرارات التشريعية و نسب الثقة التي نالتها من تلك المجالس ، فأن ما نود التركيز أو طرحه، هو طبيعة نهج سلوك هذه المجالس و طبيعة العلاقة ما بينها وبين الحكومات من خلال ما أفرزته من قوانين و آلية التصويث عليها و المرجعية التي كان يستند لها النائب في منحهم أو حجبه صوته عن القرارات أو المشاريع ، حيث أن النواب هم من يمثلوا الواجهة السياسية لمن انتخبوهم من المواطنين والقواعد الشعبية من شتى المشارب الفكرية و الاجتماعية ، حيث تقوم الحكومات بالتقدم بمشاريع الموازنة و القوانين التي هي بمثابة برنامجها العملي و مخططها لمسارها التنفيذي الذي ستسير عليه بما يحقق التوصيات التي جاءت في كتاب التكليف السامي الملكي الذي لطالما كان يضع في أولوياته تلبية تحسين ظروف الحالة المعيشية للمواطن الأردني اولا و المصلحة الوطنية الأردنية العامة العليا، ليرد مجلس النواب بنقاش هذا المشروع و دعم نقاط القوة الإيجابية فيه و معالجة اي بنود فيها قد تشكل من الضعف أو السلبية تؤثر و تحول دون ترجمة أو تحقيق تلك الأهداف إلى واقع من الإنجازات يلمسه المواطن .

إجمالا عبر تاريخ المجالس النيابية المتعاقبة كانت الممارسة الفرديه و ليس البرامجية المؤسسية هي السمة أو المنهجية الغالبة على النواب في مناقشاتهم و قراراتهم في الرد او مراقبة على مشاريع الحكومات و أدائها و نسب نجاح انجازها أو اخفاقها ،و في الكثير من المرات كانت هذه المنهجية تحكمها عوامل عدة تؤثر في و على جودة الأداء منها اختلاف مستوى الكفاءة والمعرفة والثقافة السياسية و التشريعية و حاجة النائب لها للقيام بدوره الرقابي و التشريعي الأمر الذي كان يدفع و يتطلب لتشكل كتل نيابية لمعالجة تلك الفروق و التغطية عليها و القيام بالأعمال بالنيابة عن هذه الفئة ، أو نتاج العلاقات الشخصية أو المناطقية مابين أفراد السلطتين التشريعية والتنفيذية ، أو المصالح المشتركة إن وجدت بما يحقق أفضلية لبعض النواب عن غيرهم من مصالح خاصة لمناطقهم و أعمالهم ، و أحيانا الاختلافات الفكرية الايدلوجية والعقائدية لأعضاء المجلس التي تتعامل مع الحكومات و نمط و لون برامجها من وجهات نظر مختلفة شرعية أو انتماء لفكر سياسي مناقض لهم ، عليه في الخلاصة نتيجة جملة هذه العوامل وغيرها دون حصرها كانت تمر القرارات الحكومية ، و بروز شخصيات نيابية و سطوعها إعلاميا كحالة فردية ، وهذا كان على حساب انتاج مجلس نواب يمثل الشعب يعمل كوحدة واحدة منسجمة تتعامل مع الحكومة على قاعدة المؤسسية و المعيار العملي المحكوم بلغة الأرقام و نسب الإنجاز لتكون الأحكام أما تأييدا للقرارات التي تصب في مصلحة الوطن و المواطن و رؤية قيادته الملكية الهاشمية الحكيمة ، أو معارضة تلك التي قد تنعكس بالسلب وخاصة إذا لم يقدم الأسباب الموجبة أو المقنعة لطرحها من الحكومات وماهي الخلفية السياسية أو الاقتصادية لها والتي قد تكون صحيحة ولكن مع غياب ما ذكرناه من اختلاف العقليات و منشأ منهجية التفكير علمية مزاجية أو غيرها ، كانت النتيجة فقدان الثقة والوعي بالمجريات و الحيثيات مابين المواطن و نوابه و حكوماته و انعكست تراجعا في المشاركة الشعبية وانكفاء للكفاءات.
عام 2022 جاءت الرؤية الملكية بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية لتؤكد على تقديم شكل الدولة الأردنية الفتية التي تؤمن بالتجديد ، حيث تضمنت نخبة من جميع الفئات السياسية والشعبية و العمرية شيبا و شبابا رئاسة و عضوية و ما تلاها و صدر عنها من توصيات و مسارات ثلاث ، إشارة بخط عريض بوجوب إنهاء حالة آلية الفردية المتبعة من النواب التي أصابت مجلسه بالرتابة و ركاكة العمل ثم ضعف المخرجات و غيابه عن دوره الحقيقي بأن يكون أحد أركان السلطات الثلاث التي تمارس صلاحياتها على أسس برامجية واضحة تضع ترتيب المشاريع و المتطلبات الوطنية الأردنية الشعبية و الرسمية ضمن أولوياتها بعيدا عن التوافقات التكتيكية الشكلية أو الديكورية التي وصفها ذات يوم احد رجال الدولة الأردنية المخضرمين في العمل السياسي والبرلماني من باب النقد البناء ، ليكون هذا عام 2022 انطلاق مرحلة الأحزاب السياسية البرامجية ذات الهوية الوطنية الأردنية الخالصة التي ينتظرها الشعب ليحفرها في ذاكرتهم ، على أنها أحزاب تعتبر الاردن وطن وليس ساحة تتبع جهات خارجية تغرد خارج السرب الاردني هدفا و لحن.
النموذج الحزبي السياسي البرامجي أصبح واقع وحقيقة ، والدولة الأردنية حسمت مستقبله منه و ربطت مصيره به كواجهة سياسية للديمقراطية الأردنية وأدواتها المستقبلية ، من هنا وبعد إفراز النموذج الحزبي البرلماني الأولي لها في انتخابات 2024 ، الذي تقول المؤشرات أنه يخضع للتقيم والتحليل و المراجعة استعدادا للاستحقاقات القادمة ، التي تولي أهمية نجاح هذا النموذج و نضوجه بشكل أكبر و افضل ليكون قادرا على مواجهة واستيعاب متطلبات المرحلة القادمة سواء التي تخص ملفات الشأن الداخلي التي لا تتحمل التأخير أكثر و تلقي بظلالها على أوضاع البلد و يلزمها أحزاب برامجية تقدمية وطنية اردنية لا يوجد في حقيبة أنظمتها الداخلية ذهنية أحزاب الفرد الواحد أو الشخصية المحورية الرمزية الوصولية أو نمطية الجدلية و التمسك بعصبية المذهبية الدينية أو الفلسفية الايدلوجية القديمة التي تعتمد على التنظير و البيانات و براعة الخطابات ، بل هي بحاجة اليوم إلى إثبات نفسها انها مؤسسات وطنية تمتلك الديناميكية السياسية و القدرة على تأهيل كوادر قيادية سياسية هي براءة اختراع لها قادرة على ابتكار الأفكار والتخطيط الاستراتيجي البرامجي الذي يسهم بشكل فعال خارج أو داخل السلطة و أنها على قدر مسؤولية اتخاذ القرارات و تطبيقها و تحقيق أهدافها إلى منجزات بالعقل الجمعي و التشاركية ، فأن كانت خارج السلطة تراقب و توجه الطرف الآخر من داخلها إلى كيفيه اتباع الوصفة الصحيحة لتطبيق ما قدموه لحلول لمشاكل وتحديات جاء ذكرها في التكليف السامي لحلها ، فأن لم ينجح فريق السلطة تم تبادل الأدوار و تطبيق الخطوات والإجراءات الواجب اتباعها بعد رصد أخطاء السابق و تلافيها و تحقيق الأهداف بنسبة ناجحة تظهر تمايز الكفاءات في مواقع المسؤولية و تذكي و تشعل روح التنافسية لأجل المشروع الوطني الاردني لغاية أن يعم الخير فيه على أغلبية الوطن قيادة و وطنا و مواطنا مخلصا مرهقا عكس ما شهدناه في السابق تنافسا للبقاء لقلة داخل دائرة ضيقة لم يعد تكرارها فيه منفعة ، فلكل مرحلة ادواتها و هندستها القادرة على الحفاظ على ديمومة مسيرة وطن بحجم الاردن العظيم الذي نرفع شعار ليكون الاقوى في تاريخ الدولة الأردنية ذات المئوية الثانية لتظل عزيزة كريمة آمنة مطمئنة مستقرة في ظل قيادتنا الهاشمية الحكيمة.

مواضيع قد تهمك