خلدون ذيب النعيي : عندما تتعانق غرتا رمضان وآذار

شهر رمضان هذا العام يتزامن بدايته مع بداية شهر آذار، وهذان الشهران يحملان دلالة في تاريخنا الاسلامي والأردني المعاصر لا توجد في الشهور الأخرى، ولا شك ان رمضان وآذار هذا العام يأتيان في ظل أحداث مهمة سواء على الساحة الدولية في ظل ترك القارة الأوربية وحيدة تواجه الدب الروسي في أوكرانيا، وذلك بعد أن اصبح الحليف الأميركي يرى المصلحة الذاتية البحتة بعيداً عن أدبيات مظلة الحماية للقارة العجوز بعد أن عصفت بها الحرب الكونية الثانية ورهنت نفسها لحلف الناتو ذي الرؤى الأنجلوسكسونية في مواجهة شيوعية ستالين وقتها وصولاً لطموحات بوتين الحالية.
وعلى الساحة الإقليمية تفاقمت المأساة الفلسطينية جراء آلة العدوان الإسرائيلية فانتقلت الى الضفة الغربية بعد غزة ولبنان وتمدد شرورها الى الساحة السورية وذلك بعد فشل مؤامرة التهجير والتوطين الذي استهدف بهما الاردن ومصر بعد الرفض الكبير لها من مختلف الأطراف المعنية، وهنا يحمل كل من رمضان وآذار في بدايتهما الواحد دروس كثير تحمل للقاصي والداني ان الحق بصدق إصراره يتغلب على آلة العدوان مهما امتلكت من قوة ومن دعاية مضللة فشتان بين من يملك قوة الحق ومن لديه حق القوة، فهذا درس من دروس التاريخ التي لا تأبه لمن يتجاهلها لغرور أو غباء.
رمضان وآذار هما شهرا الدروس والعبر، ففي رمضان كان انتصار الفئة القليلة على الكثيرة المغرورة في بدر والذي كان بمثابة الاعلان أن المستضعفين وان قلة حيلتهم وعتادهم فزادهم الحق والتكاتف الذي يكفيهم ان يؤكد وجودهم في الميدان، وشهد رمضان أيضاً فتح مكة الذي أعلن فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وحدانية الجنس البشري فكان الاساس هنا هو التقوى وأعلن وقتها حرمة الاعتداء على الدم والعرض والاموال، وكان رمضان بعد ذلك مسرحاً لانتصارات الأمة في عين جالوت بعد ان توهم مغول ذلك العصر أن تمددهم المستمر هو بمثابة «عضة كوساية» بفضل عددهم الضخم واجرامهم الذي ضج العالم به فكان الرد لهم من المماليك المسترقين بهزيمة نكراء على أرض فلسطين الطاهرة.
أما آذارنا الأردني المعاصر فهو رمز غلال الموسم والتاريخ على حد سواء ومن هنا كان آذار شهر نحبه ويحبنا وهو ما يصفه بدقة مثلنا الشعبي «أن غلت أو أمحلت وراها آذار» فإنسانا الأردني منذ القدم أدرك ان آذار هو الفيصل بمطره وخيره في الحكم على الموسم الزراعي، وفي آذار تصدرت عبارة «فعلها الحسين» الصحف العربية في دمشق وبغداد والقاهرة وذلك بعد القرار الجريء بتعريب قيادة الجيش الأردني رغم الاعتماد الكبير للأردن على المعونات الإنجليزية وقتها، فكان القرار بمثابة الرد من ملك في العشرين من عمره بان القرار السيادي الوطني الأردني لا يثمن ولا يساوم، وبعدها بأكثر من عشر سنين كان الرد الأردني على مغول عصرنا هذا في الكرامة وهم الذين دعا جنرالاتهم ضيوفهم لتناول الغداء لتناول العداء في السلط وعمان وإربد، فكانت الصفعة التي أفاقتهم من غرور حزيران والرسالة لهم أن هذا الوطن هو من آمة أن وقعت لبرهة فبعيداً عنها السقوط الدائم، فكم من نوبة وقوع كانت حافزاً للنهوض الألق في كافة المحاور.. والتاريخ يدلل على ذلك بلا شك.
ما أشبه اليوم بالأمس في ظل التاريخ الذي يعيد نفسه بأحداثه بل ويؤكده، فالمواقف والثوابت لا تثمن مهما تضخمت الإغراءات وتغولت الضغوط، وهو بحمد الله منطلق هذا الوطن المتميز بحكمة قيادته ووعي إنسانه، فالأيام دولٌ بحفظ المواقف مهما تجاذب فيها عنصري الحق والقوة لدى جميع الأطراف.