اسماعيل الشريف يكتب : رمضان.. بركات الصحة والروح

ما الخَيرُ صَومٌ يَذوبُ الصائِمونَ لَهُ ... وَلا صَلاةٌ وَلا صوفٌ عَلى الجَسَدِ
إِنّما هُوَ تَركُ الشَرِّ مُطَّرِحًا ... وَنفضُكَ الصَدرَ مِن غِلٍّ وَمِن حَسَدِ - المعري
الصيام المتقَطِّع يتصدَّر قائمة النُّظم الغذائية الرائجة في الوقت الراهن، حيث يعدك بالتخلُّص من السموم المتراكمة وفقدان الوزن الزائد، لكنه يخلو من أي مردود روحاني أو أجر معنوي. فلماذا لا ترتقي بهذه الممارسة وتحولها إلى عبادة خالصة لله تعالى؟ بهذا تجني ثمار الصيام المتقطع الصحية وتكسب رضا المولى -عز وجل- إضافة إلى منظومة متكاملة من الفوائد المتنوعة، فالصيام كله بركة.
سأستعرض معكم سبع فوائد إضافية للصيام، مُستلهَمة من حديثين شريفين للمصطفى استوقفاني طويلاً. أولهما: «الصيام جُنَّة، فلا يرفُث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل: إني صائم»، وثانيهما: «من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا». وسأختتم مقالتي بحديث عجيب يتألف من أربع كلمات، كلنا نعرفه.
أولاً، يتفق خبراء علم النفس على أن الانضباط الذاتي يمثل سمة جوهرية في شخصية المتميزين والناجحين، ومن مظاهره القدرة على ضبط الانفعالات والتحكم بها. ومن المقتضيات الأساسية للصيام أن يملك الصائم زمام أعصابه مهما تعرض لضغوطات الحياة ومنغصاتها، وبذلك تكون قد صقلت نفسك بمهارات الصبر والتحكم بمشاعر الغضب والانفعال.
ثانيًا، يشترك الأشخاص المفْعَمون بالسعادة في سمة جميلة، وهي الشعور بالامتنان، فحين تجوع وتعطش، يتعاظم لديك تقدير أبسط النعم التي كنت تعتبرها من المسَلَّمات، كفنجان القهوة الصباحي، أو شطيرة فلافل بربع دينار، أو كوب من الشاي تتقاسمه مع زملاء العمل. وكما يُقال، لا تدرك حقًا قيمة ما تملك إلا حينما تُحرَم منه لبرهة.
ومع تشربك لروح الامتنان، ستتنامى لديك مشاعر التعاطف مع من هم أقل حظًّا في الحياة، وإذا استثمرت هذا الإحساس النبيل، سيدفعك حتمًا نحو مد يد العون للمحتاجين، مما يساهم في تشكيل مجتمع أكثر تكافلاً وعالم أكثر إنسانية.
ثالثًا، سيعزز الصيام قدرتك على التحلي بالصبر، وإن أفلحت في هذا المسعى، فستكون ممن يحبهم الله سبحانه، فقد قال تعالى في محكم تنزيله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}. إن الصبر يكون أشد صعوبةً حينما تتضور جوعًا وتلتهب عطشًا ولم تنل قسطًا كافيًا من الراحة والنوم، لأن الصبر الحقيقي ينمو ويترسخ عندما يتعرض للاختبار، وكلما اشتدت قسوة الاختبار، تعالت صرخات الجسد إلحاحًا طلبًا للطعام والشراب. أما الصبر في أوقات الدعة والراحة، فهو أقرب إلى الترف منه إلى الابتلاء الحقيقي.
رابعًا، ستلاحظ أن اليوم يمتد أمامك بساعات أطول. فالطعام والشراب يستهلكان وقتًا كبيرًا في حياتنا اليومية، بين التحضير والتناول والتنظيف. وحين تختصر هذه الأوقات، ستتمتع بمساحة زمنية أرحب للتركيز وممارسة العبادات وإشباع هواياتك خلال ساعات الصوم. وكم منا يلجأ، عندما يقترب موعد الإفطار، إلى ركوب سيارته والتجول بلا هدف محدد سوى تمضية الوقت المتبقي!
خامسًا، إذا التزمت بالاعتدال ولم تنغمس في الإفراط بكميات الطعام عند الإفطار، فستحقق توفيرًا ماليًّا ملموسًا، فبدلاً من إعداد ثلاث وجبات رئيسية وما يتخللها من وجبات خفيفة، يقتصر نظامك الغذائي في رمضان على وجبة ونصف في أفضل تقدير، وهذا درس عملي في الترشيد الاقتصادي لا يُقدر بثمن.
سادسًا، عندما تتحرر مؤقتًا من سيطرة احتياجاتك الجسدية، تتسامى روحك وتسمو، وتفتح قنوات التواصل العميق معها، فتنغمس في التفكر والتَدَبُّر، مما يجعلك أكثر وعيًا بذاتك واستبصارًا بحقيقتك الإنسانية، وأشد قربًا من خالقك وبارئك.
سابعًا، مع تعاقب أيام الصيام، ستكتسب رصيدًا متناميًا من القوة العقلية والجسدية والروحية، بينما يتسارع عداد الحسنات في ميزانك الأخروي.
أما الحديث النبوي البسيط، الجامع المانع، الذي وعدتكم به فهو: «تسحّروا، فإن في السحور بركة!»
شهدت السنوات الأخيرة ظهور العديد من الدراسات العلمية التي تؤكد أهمية وجبة الإفطار المبكرة وتأثيرها الجوهري على الصحة العامة للإنسان، وهو ما يمكن ربطه بوضوح مع وجبة السحور في الصيام الإسلامي.
اطلعت مؤخرًا على بحث علمي حديث يكشف أن تجاوز وجبة الإفطار يشكل خطرًا بالغًا على صحة الإنسان، إذ يؤدي إلى إضعاف كفاءة الجهاز المناعي، مما يجعل الجسم أكثر عُرضة للإصابة بالأمراض المزمِنة المختلفة، كداء السكري، واضطرابات القلب والأوعية الدموية، وحتى بعض أنواع الأورام السرطانية، وقد أثبت الباحثون وجود علاقة وثيقة بين تناول السحور وتحسين عمليات التمثيل الغذائي، مما يساهم في تنظيم مستويات السكر في الدم، وتعزيز وظائف الجهاز الهضمي، والمحافظة على مستويات الطاقة الـمُثلَى طوال ساعات النهار.
صدق رسول الله، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يُوحَى.
عزيزي القارئ، إن كنت لا تزال متأرجحًا في قرار الصيام، فلتفكر فيه كنسخة مطوَّرة من الصيام المتقطِّع، مع إضافة حصاد وفير من الحسنات المتواصلة! وإن كان الشعور بالجوع يمثل عبئًا ثقيلاً عليك، فتَذَكَّر أن التحدي الحقيقي في شهر رمضان ليس في الامتناع عن الطعام والشراب فحسب، بل في ضبط النفس والتحكم بشهواتها عندما تُفتَح أبواب السماء وتُبسَط موائد الإفطار الشهية أمامك.
كل عام وأنتم بخير..