هاني الهزايمة : الأردن والجدار العربي الصلب في مواجهة مخططات التهجير الصهيونية

اللقاء الذي استضافته المملكة العربية السعودية وجمع قادة دول الخليج مع قائدي الأردن ومصر لم يكن مجرد اجتماع سياسي عابر، بل كان نقطة تحول في مسار المواجهة العربية لمخططات الاحتلال الإسرائيلي الساعية إلى فرض واقع ديموغرافي جديد على الأرض الفلسطينية.
حضور جلالة الملك عبدالله الثاني لهذا اللقاء يؤكد مرة أخرى الدور المحوري الذي يلعبه الأردن في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ورفض أي محاولات لتصفية القضية أو تهجير الفلسطينيين قسرًا تحت أي غطاء كان، سواء باسم «السلام الاقتصادي» أو تحت ذريعة «إنقاذ سكان غزة من جحيم الحرب».
لم تكن هذه المناورة الإسرائيلية الأولى، ولن تكون الأخيرة، لكن ما يميز هذه المرحلة هو الانكشاف التام للمخططات التي كانت تحاك في الخفاء، وظهور تحالف عربي أكثر وضوحًا وثباتًا في مواجهة هذه المشاريع.
تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة، والتي أقرّ فيها بأن الأردن ومصر شكّلا العقبة الأكبر أمام مخطط التهجير، جاءت لتؤكد صلابة الموقف العربي، ولتكشف حجم الضغوط التي مورست على البلدين من أجل دفعهما إلى القبول بحلول تستهدف جوهر القضية الفلسطينية. لكن رغم هذه الضغوط، كان الرد الأردني والمصري حاسمًا: لا مجال للقبول بأي مشروع يعيد إنتاج نكبة جديدة للفلسطينيين، ولا يمكن السماح بجريمة تهجير ممنهجة تحت أي ظرف من الظروف.
موقف الأردن لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لنهج ثابت وضع أسسه الهاشميون، وأكده الملك عبدالله الثاني مرارًا وتكرارًا عبر لاءاته الثلاث: لا للوطن البديل، لا للتوطين، لا للتهجير. هذه المبادئ لم تكن مجرد شعارات سياسية، بل هي خطوط حمراء تمثل جوهر السياسة الأردنية في التعامل مع القضية الفلسطينية، وتحمي الأردن من أن يكون جزءًا من أي حلول قسرية تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية على حسابه. ولعل المثير للسخرية أن بعض المشككين حاولوا الترويج لفكرة أن الأردن قد يغير موقفه تحت وطأة الضغوط أو الإغراءات، ليأتي حديث ترام? بمثابة صفعة لهؤلاء، ويؤكد أن الأردن لم يبدل مواقفه، بل على العكس، كان الحاجز الأخير الذي منع تمرير هذه المؤامرة.
هذا اللقاء العربي رفيع المستوى لم يكن مجرد مناسبة دبلوماسية، بل هو رسالة واضحة مفادها أن هناك إجماعًا عربيًا على رفض أي مشاريع مشبوهة تستهدف الوجود الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو في غزة. فالهدف الإسرائيلي كان واضحًا منذ البداية: تحويل غزة إلى أزمة إنسانية مستدامة، تدفع سكانها إلى الهجرة القسرية، ليتم لاحقًا إعادة تشكيل الخارطة السكانية بما يخدم المشروع الصهيوني التوسعي. غير أن هذه الرؤية اصطدمت بصخرة الموقف العربي، الذي أدرك أن أي تهاون في هذا الملف سيفتح الباب أمام سلسلة من التنازلات التي لا تنتهي.
الأردن، الذي دفع ثمنًا باهظًا لمواقفه الثابتة، لم يتراجع رغم كل الضغوط، لأن المسألة بالنسبة له ليست مجرد قضية فلسطينية، بل هي قضية أمن قومي، ومسألة وجود. فمنذ 25 عامًا، لم يغير الأردن موقفه الرافض للتهجير، ولم يقبل بأي سيناريوهات تحاول تحويله إلى وطن بديل للفلسطينيين. بل على العكس، كان في طليعة الدول التي حذرت من العواقب الكارثية لأي مشاريع تستهدف تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين.
وعلى الصعيد الشعبي، لم يكن هناك أدنى شك في أن الأردنيين يقفون خلف قيادتهم في هذه المعركة السياسية والدبلوماسية. فقد أثبتت التجارب أن الأردن، ملكًا وشعبًا، لن يكون طرفًا في أي مؤامرة تستهدف طمس الهوية الفلسطينية، أو فرض حلول تخدم الاحتلال على حساب الحق الفلسطيني المشروع. وهذا ما يعكسه الغضب الشعبي العارم تجاه أي محاولات لإعادة تدوير سيناريوهات التهجير تحت مسميات جديدة، وهو ما يؤكد أن الأردن لم يكن مجرد وسيط في القضية الفلسطينية، بل كان وما زال في مقدمة المدافعين عنها.
هذا اللقاء السعودي-الأردني-المصري-الخليجي جاء ليضع النقاط على الحروف، ويؤكد أن القضية الفلسطينية ليست قضية يمكن التعامل معها بمنطق الإملاءات والضغوط. بل هي قضية مرتبطة بمصير شعوب بأكملها، وأي محاولة لفرض حلول من طرف واحد لن تؤدي إلا إلى المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. فالسلام الحقيقي لا يمكن أن يقوم على أنقاض شعب مشرد، ولا يمكن أن يُبنى على حساب حقوق الفلسطينيين في أرضهم ووطنهم.
في ظل هذه التطورات، يتضح أن الأردن، رغم كل ما يواجهه من تحديات وضغوط، لا يزال رقمًا صعبًا في المعادلة الإقليمية، ولا يزال الصوت العربي الأكثر وضوحًا في رفض أي مشاريع تستهدف تصفية القضية الفلسطينية. وبفضل هذا الموقف، وبالتنسيق مع الحلفاء العرب، بات واضحًا أن مشاريع الاحتلال لإعادة رسم الخارطة السكانية للمنطقة قد تلقت ضربة قوية، وأن أي محاولة لفرض أمر واقع جديد ستواجه بجدار عربي صلب، يحمي الحقوق الفلسطينية، ويمنع تكرار النكبة تحت أي مسمى أو غطاء سياسي.