يوسف منصور يكتب: خبراء الدين العام.. وما أكثرهم

المشكلة في بعض (وأؤكد على «بعض») التحاليل الاقتصادية التي يقدمها بعض «الخبراء الاقتصاديين» في الأردن أنها ببساطة تخلو من التحليل الاقتصادي، فهؤلاء «الخبراء» يرون التحليل والفكر الاقتصادي ومدارسه والمنطق المبني عليه هذا العلم الاجتماعي كنوع من الرفاهية يستطيعون أن ينظّروا ويستبيحوا فيه بنوع من الخمول وكثير من الطمأنينة، فيصدرون الكثير من الحِكم والأحكام بكل يسر ودون حيرة أو تهتهة، ولكن، كلما تابع المرء منا هؤلاء من خلال قراءة أو سماع ومشاهدة ما يدّعونه يتذكر الحكمة القائلة، «إن العلم القليل، علم خطير».
فمثلا نجد فلاناً (وهو شخص افتراضي لا أقصد أحدا بذاته، بل أقصد افراد هذه المجموعة) الذي أصبح برأيه «خبيرا اقتصاديا»، يصرّح بأن الدين العام وصل مرحلة الخطر، لأنه ازداد بكذا مليار دينار على مدى كذا عام، واعتبر نتيجة تحليله السريع المتسرع أن الدين وصل الى مستوى خطر. لذلك، يزعق ويصرح (خوفا على البلد) بوجوب دق ناقوس الخطر (طبعا تصريحاته غير المدروسة المتوعدة بالضنك الاقتصادي، ولأنه شخص معروف، تضر بالبلد والاستثمار المحلي والخارجي والأمن والاستقرار الاقتصادي ومن ثم الأمن بشكل عام).
أول خطأ قام به «الخبير الاقتصادي» أنه لم يحسب نسبة الدين الى الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تستخدم لمقارنة عبء الدين بالنسبة للدخل (وليس مقدار الدين) فعلى سبيل المثال، وفقًا لبيانات وزارة الخزانة الأميركية تجاوز الدين العام الأميركي، حتى نوفمبر 2024، حاجز 36 تريليون دولار، وهو رقم مخيف يقارب 600 ضعف حجم الدين الأردني. هل يعني هذا أن أميركا انهارت أو أنها على وشك الانهيار؟ طبعا لا، فحجم الناتج المحلي الأميركي يقارب 29 مليار دولار. لذلك يقارن الاقتصاديون نسبة الدين العام الى الناتج المحلي.
المقارنة بحد ذاتها لا تكفي. كان يجب أن ينظر صديقنا المبجل الاقتصادي الى «نسبة خدمة الدين (مدفوعات الفائدة إلى الإيرادات الحكومية)»، فهذه نسبة مهمة تبيّن قدرة الدولة على سداد الدين في عام أو عدة أعوام، ومدى أثره على أوجه الانفاق الأخرى فتقلل من النفقات التنموية لتسديد الفوائد والاقتصاد، كما أن خدمة الدين تعني تسرب النفقات الى الخارج مما يقلل من معدلات نمو الاقتصاد المحلي.
ولم يتطرق «الخبير فلان» الى «نسبة الدين الخارجي من الدين العام مقابل الدين المحلي»، وهي أيضا معيار هام فالدين الخارجي أكثر خطورة من المحلي خاصة إن كانت فتراته قصيرة ولمؤسسات خاصة بدلا من المؤسسات الدولية، كما أن تقلبات العملات الأجنبية أمر لا يستهان به في رفع أو تقليل فاتورة الدين.
وبالإضافة، وكما أشرت في مقال سابق، من المهم جدا «مقارنة معدل النمو الاقتصادي وقيمته بالمقارنة مع أسعار الفائدة» على الدين، فحين لا تؤدي الاستدانة الى نمو دخل البلد وبالتالي نمو دخل الدولة بشكل يمكنها من سداد الدين، فإن الدين العام سيزداد، ودليل على ذلك كيف نما الاقتصاد في الفترة 2008-2004 وهبطت معه نسبة الدين العام (البسط) الى الناتج المحلي (المقام) نتيجة للنمو ولسداد الدين.
ثراء ومصالح الأردن لا يرتكزان على حجم الدين العام بل على كيفية إنفاق ما نستدين. أعتقد، ومما يبدو لي حتى الآن، أن الحكومة الحالية تتوجه للعمل بـ"القاعدة الذهبية» في الاقتصاد، وهي أن يكون الدين لتمويل مشاريع تُشغّل البلد ومن فيها، وتزيد من إنتاجية العمالة ورؤوس الأموال معا، فيزداد دخل المواطن ومن ثم الدولة (مواطن ثري يُعني حكومة غنية) فيقل الدين كنسبة من الناتج المحلي ويصبح الحديث في الدين العام ضمن أقل ما يشغلنا.