الأخبار

د. خالد الشقران يكتب : نحو حل عادل

د. خالد الشقران يكتب : نحو حل عادل
أخبارنا :  

بعد أكثر من 75 عاماً على النكبة، لا تزال القضية الفلسطينية تُختزل في أروقة الأمم المتحدة ولدى بعض القوى الفاعلة على الساحة الدولية إلى «أزمة إنسانية»، بينما تتعمق جذورها كقضية سياسية معقَّدة تتطلب حلًّا عادلًا يوفِّق بين الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني ومخاوف الأمن الإسرائيلية. لكنَّ السؤال الجوهري الذي يبقى معلقا: كيف يمكن تحقيق سلامٍ دائمٍ في ظل واقعٍ جيوسياسيٍ متشابك، وغياب الإرادة الدولية الفاعلة؟

لا شك أن قرارات الأمم المتحدة - خاصة القرارين 242 (1967) و338 (1973) - تشكل أساساً قانونيًّا لإطار الحل عبر مبدأ «الأرض مقابل السلام». لكنَّ التطبيق الفعلي تعثر بسبب التوسع الاستيطاني الإسرائيلي الممنهج، الذي حوّل الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى كانتونات منفصلة. فوفقًا لبيانات «بيتسيلم» (2023)، يوجد أكثر من 700 ألف مستوطنٍ في الأراضي المحتلة، ما يقوِّض إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة. هنا تبرز الحاجة إلى تفعيل آلية دولية ملزمة لوقف الاستيطان فورًا، والاعتراف بحدود 1967 كأساسٍ غير قابل للتفاوض لحل الدولتين، كما أكد رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري (2004).

بدورها تحتل القدس مركز الصراع الرمزي والسياسي، حيث يعيش 360 ألف فلسطيني في القدس الشرقية تحت حصار جدار الفصل العنصري وتهويد المقدسات، وفق تقرير «المبادرة الفلسطينية للإصلاح والديمقراطية» (2022). الحل الواقعي يقتضي أن تكون القدس الشرقية - بما فيها الحرم القدسي - عاصمةً للدولة الفلسطينية، مع إشراف دولي يضمن حرية الوصول إلى المقدسات لجميع الأديان. لا يمكن ان يعد تنازلاً في الوقت الحالي وفي ضوء الحقائق على الارض، بل اعترافًا بالحقوق في العيش بكرامة.

تُقدّر «الأونروا» عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين بنحو 5.9 مليون، يحمل غالبيتهم حقّ العودة بموجب القرار 194. لكنَّ التعقيدات الديموغرافية والسياسية تحتم البحث عن حلٍّ توافقي، كمنح اللاجئين خياراتٍ متعددة: العودة إلى الدولة الفلسطينية المستقلة، أو التعويض المادي، أو الجمع بينهما بضمانات حقوقية، كما ناقشت «مبادرة جنيف» (2003). المهم هنا هو الاعتراف بالحق الفلسطيني كمبدأ، مع مراعاة الواقع الجيوسياسي المتشكل.

لا يمكن فصل الأمن الإسرائيلي عن إنهاء الاحتلال. فوفقًا لدراسة معهد «راند» الأميركي (2020)، فإن ضمان حدود آمنة لإسرائيل يتطلب انسحابًا كاملًا من الأراضي المحتلة عام 1967، مع نشر قوات حفظ سلام دولية على الحدود، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وبناء اقتصاد فلسطيني قوي عبر استثمارات دولية في البنية التحتية. لكنَّ التحدي الأكبر يتمثل في كسر الحلقة المفرغة بين العنف من جهة، والاحتلال من جهة أخرى، خاصةً بعد التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق في غزة، الذي حوّل القطاع إلى ساحة دمار منهجي للبشر والحجر وكذلك الاعتداءات المستمرة للاحتلال والمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس والمقدسات.

التاريخ يُثبت أن المنطقة لن تشهد سلامًا أو استقرارًا طالما ظلّت القضية الفلسطينية (القضية المركزية) معلقةً دون حلّ. فاستمرار الاحتلال، والتطرف الإسرائيلي المتصاعد، والجرائم التي تُرتكب ضد الفلسطينيين، لن تقود إلا إلى مزيد من المواجهات التي قد تمتد لتشمل دولا وشعوبا اخرى في المنطقة. فإسرائيل - رغم تفوقها العسكري - عاجزة عن «إنهاء» القضية بالقوة، إذ لا يمكن قهر إرادة شعبٍ يكافح من أجل وجوده على أرضه. كما أن استمرار التوسع الاستيطاني وتهويد القدس يغذّي الكراهية ويدفع نحو صراعٍ أبدي.

الحل العادل ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إرادة دولية جادة. فمقترحات مثل حلّ الدولتين، وعودة اللاجئين بمرونة، وتقسيم القدس «شرقية وغربية»، موجودةٌ على الورق منذ عقود. لكنَّ غياب الضغط الفعلي على إسرائيل لوقف انتهاكاتها، وتواطؤ بعض القوى الدولية، يحولان هذه الحلول إلى سراب. وكما قال الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في كتابه «فلسطين: سلام لا فصل عنصري» (2006): «الحل موجود إذا توافرت الشجاعة السياسية». فهل نجد اليوم قادةً عالميين وإقليميين يستخلصون الدروس من فشل العقود الماضية، ويعملون بجدية لتحويل العدالة إلى واقع؟ الوقت وحده كفيلٌ بالإجابة، لكن المؤكد أن كل تأخيرٍ يعني مزيدًا من الدماء، ومزيدًا من التطرف، ومزيدًا من انهيار فرص السلام. ــ الراي

مواضيع قد تهمك