د. رعد محمود التل : من الركود إلى التحفيز: إعادة تشكيل الاقتصاد الأردني (2-2)

حاولت الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة التخفيف عن المواطنين قدر الإمكان، لكن تبعات هذه السياسات كانت واضحة في زيادة المديونية تدريجيًا. ومع تضاعف حجم الدين العام مقارنة بما كان عليه قبل سنوات، أصبح من الضروري اتخاذ قرارات حاسمة لضبط المديونية وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والبرامج التي تحتاجها البلاد.
مؤخراً، وافق مجلس الوزراء على البرنامج التنفيذي المحدث لرؤية التحديث الاقتصادي لعام 2025، الذي يعكس تطويرًا للبرامج السابقة. هذا البرنامج تم تنسيقه مع القطاع الخاص والمعنيين في مختلف القطاعات، وتم إضافة مشاريع ومبادرات جديدة بدأت الحكومة العمل عليها.
رؤية التحديث الاقتصادي لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج استراتيجيات وبرامج وضعتها الوزارات والقطاعات بالتعاون مع القطاع الخاص. الهدف الرئيسي لهذه الرؤية هو توجيه جميع الجهود نحو تحقيق هدف واحد: تعزيز قدرة الاقتصاد الأردني على النمو، ورفع معدل النمو إلى 5%، مما سيساهم في خلق فرص عمل جديدة وتفعيل الجهود لتحقيق هذا الهدف من خلال عمل جماعي ورؤية مشتركة.
تعد هذه الرؤية بمثابة خارطة طريق شاملة، وهي قابلة للتعديل حسب التطورات. ومن الضروري تنفيذ المشاريع المدرجة فيها ضمن الجداول الزمنية المحددة، ولا يمكن تأجيلها. بالطبع، هناك تحديات عديدة، فقد تأخرت عدة مشاريع، وبعض التشريعات التي كان من المفترض تعديلها لم تكتمل بعد. لذا، جزء كبير من هذه الرؤية يركز على معالجة النواحي الإجرائية والتنظيمية، إلى جانب تعزيز قدرة القطاع العام على التنفيذ. التشريعات الأخيرة، مثل قانون البيئة الاستثمارية، تمثل خطوة مهمة في هذا السياق.
لكن السؤال الأهم هو: كيف يمكن ضمان نجاح رؤية التحديث الاقتصادي في ظل زيادة الدين العام، وانخفاض النمو، وتقلص المساعدات؟ تكمن الإجابة في تبني مسارين رئيسيين. الأول هو برنامج الإصلاح المالي الذي يهدف إلى ضبط المديونية تدريجيًا عن طريق زيادة الإيرادات وتحسين كفاءة التحصيل. وهذا البرنامج بالغ الأهمية، لأنه لا يمكن الاستمرار في تحفيز النمو الاقتصادي عبر الاستدانة كما كان في السابق، فعندما كانت نسبة الدين العام 60% من الناتج المحلي، كان الوضع مختلفًا، أما الآن فقد أصبح هذا المسار صعبًا للغاية، حيث ستزيد كلفة خدمة الدين على الموازنة بشكل كبير، مما سيؤثر على النفقات الأخرى الحيوية من الناحية التنموية.
أما المسار الثاني، فهو مواصلة العمل على تحفيز النمو الاقتصادي. يعني تحفيز النمو اتخاذ سياسات وإجراءات تهدف إلى تعزيز الاقتصاد وزيادة معدل النمو، مثل تحسين بيئة الأعمال، وجذب الاستثمارات، وزيادة الإنتاجية، ودعم الاستهلاك المحلي. التحدي الأكبر في تحفيز النمو لا يتعلق فقط بالضرائب أو حجم الإنفاق، بل بأمور أخرى مثل قدرة البلاد على جذب الاستثمار، وبيئة الأعمال، والتشريعات الناظمة، وكلف الإنتاج مثل العمل والطاقة والنقل، والتي ينبغي أن تُخفض لتحسين تنافسية القطاعات الإنتاجية.
إن المرحلة الحالية تتطلب من جميع الأطراف المعنية في الأردن العمل بتنسيق تام من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية بشكل فعال. فبجانب ضرورة إصلاح القطاعات الإنتاجية وتعزيز التنافسية، يجب أن تُركز السياسات على دعم الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتطوير المهارات في سوق العمل المحلي، وتشجيع الابتكار في كافة المجالات. كما أن تعزيز دور القطاع الخاص، وتحسين بيئة الأعمال، سيكونان من العناصر الأساسية التي تساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي. وفي ظل هذا التحدي، يجب على الحكومة أن تبقى مرنة في التكيف مع التغيرات الإقليمية والدولية، مع السعي الدؤوب لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة التي تضمن الرفاهية لجميع المواطنين الأردنيين.
من الضروري في هذه المرحلة أن تتبنى وتنفذ الحكومة استراتيجية اقتصادية شاملة تجمع بين الإصلاح المالي والتحفيز الفعّال للنمو (رؤية التحديث الاقتصادي). ويجب أن تكون هذه الاستراتيجية مرنة وقابلة للتكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية، ما سيساهم في استدامة الاقتصاد الأردني على المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التركيز على تطوير بيئة الأعمال، وتعزيز القطاعات الإنتاجية وزيادة قدرتها التنافسية، الأمر الذي سيسهم بشكل كبير في تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. فمن خلال تنفيذ الإصلاحات المستمرة وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، يمكن تقليل تأثير الدين العام وزيادة فعالية الاقتصاد الأردني.
رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية
ــ الراي