الأخبار

د. يزن دخل الله حدادين : الأردن والموقف الثابت

د. يزن دخل الله حدادين : الأردن والموقف الثابت
أخبارنا :  

الأردن يرفض تهجير الغزيين بسبب عدة عوامل سياسية وإنسانية، كما يرفض ذلك لأسباب عميقة ومترابطة مع المواقف الوطنية والسياسية. أولاً، من المهم أن نعرف أن الأردن يعتبر قضية فلسطين قضيته المركزية، ورفضه لفكرة التوطين أو «الوطن البديل» ينبع من حرصه على حقوق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم.

كما أن موقف جلالة الملك عبدالله الثاني من قضية توطين الفلسطينيين، بما في ذلك رفض تهجير الغزيين إلى الأردن، يتماشى مع الموقف الأردني الثابت في دعم حقوق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وبذات الوقت يرفض أي محاولة لتغيير التركيبة السكانية أو تبني «الوطن البديل» في الأردن، مؤكدًا أن الحل العادل للقضية الفلسطينية يجب أن يعتمد على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وليس على توطين الفلسطينيين في دول أخرى. الملك دومًا يعلن أن الأردن يقف بقوة مع الحقوق الفلسطينية في كافة المحافل الدولية، وأن أي مسعى لتوطين الفلسطينيين في الأردن يتناقض مع مواقف الأردن الثابتة في الدفاع عن حقوقهم. هذا الموقف يعكس التزام المملكة بالقضية الفلسطينية ويحافظ على استقرارها الداخلي والاقتصادي.

من وجهة نظري، موقف الأردن من رفض تهجير الغزيين يتعلق بالكثير من الأبعاد الإنسانية والسياسية التي تتداخل مع التاريخ والمستقبل. في البداية، الأردن يعلم تمامًا أن هذه القضية ليست مجرد مسألة استقبال لاجئين إضافيين، بل هي قضية متعلقة بهوية شعب، وحقوق وطنية يجب الحفاظ عليها. الدولة الأردنية تدرك جيدًا أن توطين الفلسطينيين يعني نسيان حق العودة، وهو شيء لا يمكن التنازل عنه. لو تم السماح بتوطين الغزيين في الأردن، فسيتم بشكل غير مباشر قبول فكرة أن الفلسطينيين لا مكان لهم في أرضهم، وهذا مرفوض تمامًا. الفكرة الكبرى هنا هي أن الحل يجب ألا يكون على حسابهم، بل يجب أن يظل الحل قائمًا على أساس إقامة دولة فلسطينية مستقلة. من جهة أخرى، الأردن عانى من العبء الكبير بسبب استضافة ملايين اللاجئين الفلسطينيين عبر العقود. هذه الأزمة أصبحت واقعًا يؤثر على البنية التحتية، والخدمات الاجتماعية، والأوضاع الاقتصادية بشكل عام. فوجود أعداد كبيرة من اللاجئين يثقل كاهل الدولة أكثر مما يمكن تحمله، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الحالية. وتزايد أعداد اللاجئين الفلسطينيين قد يهدد استقرار الوضع الاقتصادي والاجتماعي داخل المملكة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية الإقليمية والعالمية. فماذا سيحدث إذا أضيفت أعداد أكبر من الغزيين إلى هذا الوضع؟ سيكون الضغط أكبر بكثير.

بالتالي السبب الأكبر وراء رفض التوطين هو أنه يتعارض مع الحق الفلسطيني في العودة. وفكرة التوطين تفتح الباب للاعتراف بأن الفلسطينيين يمكنهم أن يعيشوا في دول أخرى بدلاً من العودة إلى وطنهم. وفي هذه الحالة، يصبح من الصعب استعادة الأراضي المحتلة أو التفاوض على حل عادل. الأردن، من موقعه كداعم قوي للقضية الفلسطينية، يرى أن أي خطوة من هذا النوع يمكن أن تضعف المطالب الفلسطينية وتُفقدهم أحد أهم حقوقهم.

إضافة إلى ذلك، لا أستطيع تجاهل البُعد السياسي الأكبر. الأردن ليس في موقف يسمح له بتغيير موازين القوى في المنطقة. قبول توطين الفلسطينيين داخل أراضيه قد يغير من استراتيجيات السياسة الخارجية الأردنية ويعزز من أفكار الحلول البديلة التي تبتعد عن دولة فلسطينية مستقلة. في الواقع، قد يُعتبر موقف الأردن ركيزة من ركائز الحفاظ على القضية الفلسطينية كما هي، وعدم السماح بتحريفها أو تهميشها.

إلى جانب ذلك، الموقف الأردني تجاه القضية الفلسطينية هو موقف ثابت ومعقد في الوقت نفسه. الأردن، وبما أنه الجار الأقرب لفلسطين، يجد نفسه في موقف حساس. من ناحية، هو ملتزم بقوة بقضية الفلسطينيين ويدافع عن حقوقهم في المحافل الدولية، ويشدد على أن الحل الوحيد هو قيام دولة فلسطينية مستقلة. لكنه في الوقت نفسه يدرك التحديات التي قد تنتج عن أي تحولات في الوضع الفلسطيني، خاصة في ظل الظروف الراهنة. رفض الأردن القاطع لتهجير الغزيين أو توطينهم على أراضيه يعكس حرصه على ألا يتم استخدام أزمة اللاجئين الفلسطينيين كحل بديل للمشكلة الأساسية وهي الاحتلال الإسرائيلي.

لكن في النهاية، ما أراه هو أن موقف الأردن ينبع من التزامه بمبادئ أساسية تحترم حقوق الفلسطينيين، وهو يرفض أن يصبح أداة لتصفية القضية الفلسطينية، وهو موقف يصب في مصلحة الفلسطينيين بشكل عام، لأنه يرفض القبول بأي حلول تقلل من فرص قيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة. وأعتقد أن الموقف الأردني يعكس الموازنة بين المبادئ السياسية والواقع العملي، وهو ما يعكس كيف أن الأردن يعيش هذه القضية بشكل يومي على كل المستويات.

محامٍ وخبير قانوني

ــ الراي

yazan.haddadin@haddadinlaw.com

مواضيع قد تهمك