عمران السكران : الذكاء الاصطناعي.. فرصة لتغيير أساليب التعليم
العالم الأكاديمي كان يسير بخطوات ثابتة، وإن كانت بطيئة، حتى ظهر الذكاء الاصطناعي ليحرك المشهد كقطار سريع يصعب اللحاق به، من المكتبات الضخمة التي تحتاج إلى ساعات للبحث فيها، إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تجيب على سؤال معقد في ثوان معدودة، أصبح الفرق واضحا، ولكن قبل أن ننغمس في إغراءات التكنولوجيا أو نرميها باتهامات غير عادلة، لنلق نظرة على المشهد من زاوية متوازنة.
الذكاء الاصطناعي لم يأت ليجعل الطلاب والباحثين «أكثر كسلا» كما يعتقد البعض، بل لتقديم يد المساعدة، تخيل طالبا يحاول إعداد بحث علمي يتضمن مئات الأوراق، فقبل ظهور الذكاء الاصطناعي كان عليه أن يتنقل بين صفحات الإنترنت والمكتبات الورقية، يدون ملاحظاته بعرق الجبين، ولكن الآن محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي تستطيع أن تقدم له ملخصا مختصرا وأحيانا قائمة مراجع.
في الجانب الآخر، هناك من يقول إن الذكاء الاصطناعي قد يدفعنا نحو كارثة تعليمية، لأن الطالب أصبح يعتمد عليه لكتابة الأبحاث أو الواجبات وتحليل النصوص، بدلا من تشغيل دماغه، ولكن التحدي الأكبر هنا ليس الذكاء الاصطناعي نفسه، بل كيفية التعامل معه، بدلا من تجاهله أو التحذير من استخدامه، أليس من الأفضل أن نتعلم كيف نحوله إلى أداة فعالة؟
على سبيل المثال، يمكن للمدرسين استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل أداء الطلاب وتقديم نصائح شخصية لتحسين مستواهم، في نفس الوقت يمكنهم توعية الطلاب بأخطار الاعتماد الكامل على هذه الأدوات، وخاصة في أمور مثل السرقة الأدبية التي أصبحت أسهل من أي وقت مضى بفضل تقنيات التوليد الآلي للنصوص.
بينما نراقب هذا التقدم السريع، لا يمكننا تجاهل التحديات الأخلاقية، عندما تصبح بيانات الطلاب هي الوقود لتطوير خوارزميات جديدة، يجب أن نسأل: أين حدود الخصوصية؟
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة جديدة لجعل حياتنا أكثر رفاهية؛ إنه ثورة! مجرد كودات مشفرة يمكنها أن تفكر وتكتب وتجيب على أسئلة تفوق قدرة الكثير من العقول البشرية، كما أن استخدامه في البحث العلمي أصبح متزايدًا بسرعة، فمن خلال خوارزميات مدهشة تستطيع أداة الذكاء الاصطناعي تصفية آلاف الدراسات في ثوانٍ، بينما كنا في السابق نضيع أيامًا في تصفح الكتب والمقالات.
لكن هناك جانب آخر يجب أن نأخذه بعين الاعتبار: الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على كتابة الأبحاث والدراسات، إنه يقدم فرصًا حقيقية، فمن خلال أدوات الذكاء الاصطناعي، يمكن للباحثين الحصول على نتائج دقيقة ومعلومات غير محدودة في وقت قياسي، كما أن الطلاب يمكنهم التفاعل مع أدوات تعلم مخصصة تلبي احتياجاتهم بشكل شخصي، لدرجة أن بعض الجامعات بدأت في استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم أداء الطلاب، لكن بعيدًا عن سرقة الأفكار، قد نصل إلى مرحلة يصبح فيها الذكاء الاصطناعي هو المساعد الأكاديمي الأول.
لذلك، ماذا يجب على المؤسسات الأكاديمية أن تفعل؟ دعونا نكون صريحين: حان الوقت لتغيير الأسلوب الدراسي تمامًا! المؤسسات التعليمية مطالبة بتغيير طريقة التفكير، وينبغي عليها أن تتبنى أساليب تدمج الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية بدلاً من محاربته والتركيز على حفظ المعلومات، كما ينبغي تعليم الطلاب كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وتعزيز مهارات التفكير النقدي والإبداعي.
لا يمكننا إيقاف الذكاء الاصطناعي، ولكن يمكننا تحديد كيفية استخدامه، إذا تمكنا من دمج هذا التطور التكنولوجي بحذر وذكاء، قد نتمكن من تحويله من مصدر تهديد إلى حليف في مسيرتنا التعليمية، ومع هذا التحول يمكن أن نكون أمام فرصة لتعليم جيل كامل كيفية استخدام هذه الأدوات بشكل فعّال، بدلاً من الوقوع في فخ الاستسلام لها. ــ الراي