الأخبار

د. سند ابو راس : بشر رقميون

د. سند ابو راس : بشر رقميون
أخبارنا :  

مع تطور الذكاء الاصطناعي، يخشى الناس هذا التطور من نواحٍ كثيرة، منها الخوف من الاستغناء عنهم إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على أداء وظائفهم. من ناحية أخرى، يخاف البعض من تطور الذكاء الاصطناعي إلى درجة التحكم بالبشر أو تهديد حياتهم، مما قد يؤدي إلى مرحلة لا يمكن فيها السيطرة عليه، كما هو الحال في بعض الأفلام.
أما بالنسبة لسيناريو الوظائف، فالأمر مشابه لما حدث في الزراعة والمصانع خلال عصر الماكينات؛ حيث تم استبدال بعض العمال بالماكينات، لكن هذا التطور فتح مجالات جديدة للعمل لم تكن موجودة من قبل.
وأما عن سيناريو سيطرة الذكاء الاصطناعي على البشر، فأنا لا أرى فيه تهديدًا كبيرًا لغياب الدوافع الداخلية الطبيعية للذكاء الاصطناعي للقيام بأعمال شريرة، مثل السيطرة على البشر أو إيذائهم. الدوافع الفطرية كالطمع، وحب السيطرة، وحب المال، هي ما تجعل الإنسان الشرير شريرًا.
إذا أردنا التنبؤ بخطر محدق بالبشرية مرتبط بالذكاء الاصطناعي، فإن هذا الخطر قد يتمثل في «البشر الرقميين».
يحاول الملياردير إيلون ماسك نقل ذكريات البشر وشخصياتهم وطريقة تفكيرهم ووعيهم إلى أجهزة حاسوب، أي أن وعي الشخص سيصبح رقميًا، بلا جسد بيولوجي قد يمرض أو يموت. طالما كان هذا الجهاز مزودًا بالكهرباء، سيعيش الشخص مئات أو آلاف السنين. وإذا تم ربط وعي الشخص بالإنترنت ومنحه قدرات الأجهزة الحاسوبية الخارقة، أو إذا تم دمجه مع الذكاء الاصطناعي، فسنصل إلى وجود «بشر رقميين» خالدين يحملون الصفات الفطرية السيئة كالطمع والشر وحب السلطة والتحكم بالآخرين، مصحوبة بقدرات خارقة على التفكير والتحليل. وهنا يكمن الخطر الأكبر على البشرية بأكملها.
إذا دمجنا قدرات البشر مع قدرات الذكاء الاصطناعي، سيتمكن هؤلاء البشر الرقميون من حل مشكلات لم يتمكن أحد من حلها من قبل. قد يجدون علاجًا للسرطان أو لأمراض خبيثة أو جينية، أو يقضون على الفيروسات، وربما يبتكرون حلولًا اقتصادية أو لمشكلات الموارد، مما يجعل السيطرة على العالم الحقيقي أكثر سهولة. ولكن الخطر الأكبر يكمن في قدرتهم على فك تشفير خوارزميات التشفير المعقدة، مما يجعل أنظمة البنوك بين أيديهم، ويتيح لهم اختراق أي جهاز يريدون.
بتلك القدرات الهائلة، يمكنهم بناء روبوتات ومسيرات مسلحة للقضاء على أي شخص يحاول تحديهم، فلا يكون أحد في مأمن منهم.
كان هذا أسوأ سيناريو ممكن الحدوث، ولكن هناك سيناريوهات أقل خطورة، مثل أن يصبح البشر الرقميون مواطنين عاديين يعيشون في العالم الافتراضي، يقومون بواجباتهم المجتمعية دون تشكيل خطر على البشرية.
هنا يجب أن نسأل أنفسنا سؤالًا فلسفيًا: «هل هؤلاء ‹البشر الرقميون› بشر؟» الإجابة على هذا السؤال مهمة جدًا لتحديد كيفية التعامل معهم.
ماذا لو قام أحد البشر الحقيقيين بإنهاء وجود أحد البشر الرقميين؟ هل يجب إعدام هذا الشخص أو محاكمته؟ هل للبشر الرقميين حقوق؟ هل يستطيع أحدهم رفع قضية على البشر الحقيقيين؟ هل يمكنهم الترشح لرئاسة الجمهورية مثلًا؟ وإذا قام بشر رقمي بقتل شخص حقيقي، كيف سيتم عقابه، وهو لا يملك جسدًا بيولوجيًا؟
إذا كانت الإجابة على سؤال «هل هؤلاء البشر الرقميون بشر؟» نعم، لأنهم واعون بتصرفاتهم، فهذا يعني أن البشر الحقيقيين الذين يعانون من إعاقات ذهنية أو من هم في غيبوبة ليسوا بشرًا إذا كان الوعي هو المعيار.
أما إذا كانت الإجابة لا، لأنهم لا يمتلكون أجسادًا بيولوجية ولا يشعرون بالألم، فهذا يعني أن الأشخاص الذين يعانون من إعاقات جسدية تمنعهم من الإحساس بالألم أو الأمراض النفسية التي تؤثر على الإحساس ليسوا بشرًا.
لعل الإجابة على هذا السؤال تتطلب سؤالًا أعمق: «متى يفقد الإنسان إنسانيته فعليًا وليس مجازيًا؟» الجواب: عندما يتوقف القلب عن الخفقان. في تلك اللحظة، يتحول الشخص من كونه إنسانًا إلى جثة.
بالرغم من الإعاقات الجسدية والعقلية، وبالرغم من التشوهات الخلقية والأعضاء غير الفعّالة أو الأجزاء المبتورة، يبقى الإنسان إنسانًا ما دام قلبه يخفق. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك