حسام الحوراني : النجاح ليس وجهة، بل رحلة يمهّدها التقوى ويشقها الصبر
في عالم يزداد تعقيدًا كل يوم، يواجه الإنسان تحديات متنوعة على المستويين الشخصي والمجتمعي وحتى العمل. كثيرون يبحثون عن مفتاح النجاح والسعادة، ولكن ما يجهله البعض أن هذا المفتاح لا يكمن في القوة أو المال أو الشهرة، بل في قيم أعمق وأكثر رسوخًا. تأتي الآية الكريمة على لسان سيدنا يوسف عليه السلام بعد رحلة شاقة تكللت بالنجاح وتتلخص بقولة : « إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» لتضيء لنا طريقًا واضحًا نحو النجاح الحقيقي، حيث تتعانق التقوى مع الصبر لتخلق حالة من الاتزان الداخلي والانتصار الخارجي.
التقوى هي أن تعيش بحضور دائم لله في حياتك( اي ان تخاف الله في كل شي)، أن تكون خطواتك محسوبة وفق ميزان الحق، وأن تختار الخير حتى في أحلك الظروف. التقوى ليست عبئًا، بل هي قوة خفية تدفعك نحو القرارات الصحيحة، تحميك من السقوط في الفتن، وترشدك حين تتداخل الخطوط. يوسف عليه السلام، في لحظة مواجهة مع إغراء شديد، اختار أن يقول: «مَعَاذَ اللَّهِ». لم يكن ذلك خيارًا سهلاً، ولكنه كان الخيار الصائب. التقوى هي أن تضع الله نصب عينيك، حتى حين لا يراك أحد. في عالمنا اليوم، حيث تموج القيم وتتبدل المبادئ، تذكّر أن التمسك بتقوى الله يمنحك الثبات والوضوح وسط دوامات الحياة.
لكن التقوى وحدها لا تكفي. تأتي الصعاب لتختبر صلابتك، وهنا يظهر دور الصبر. الصبر ليس استسلامًا ولا خضوعًا، بل هو قوة داخلية تجعلك تقف في وجه المصاعب بثبات. يوسف عليه السلام صبر على الابتلاءات، من البئر إلى السجن، لكنه لم يفقد الأمل ولم يسمح للألم أن يكسره. الصبر هو ذلك النفس العميق الذي تأخذه عندما تشعر أن الحمل ثقيل، ولكنه يذكرك أن لكل شدة نهاية، ولكل ليل فجر. في العصر الحديث، يسمي العلماء هذه القدرة بـ»المرونة النفسية»، وهي مهارة تُكتسب بالتمرّن وتؤدي إلى النضج والنجاح.
النجاح ليس وجهة، بل رحلة. في هذه الرحلة، تجد نفسك أمام خيارات صعبة. قد تُغريك الطرق السهلة، أو تشعر بالإحباط من طول الانتظار. هنا تتجلى أهمية المزج بين التقوى والصبر. التقوى تحدد مسارك، والصبر يدفعك للاستمرار. العلماء في مجال علم النفس يتحدثون عن أهمية «الرؤية بعيدة المدى» في تحقيق الأهداف، وهي مفهوم يتقاطع تمامًا مع فكرة الصبر. من يستطيع أن يصبر ويعمل دون أن ينحرف عن مسار القيم، سيصل حتمًا إلى النجاح.
قصة يوسف عليه السلام ليست مجرد حكاية قديمة، بل هي دليل عملي لكل من يسعى للنجاح في حياته. تخيل نفسك في مكانه: تبدأ في قاع بئر مظلم، تنتقل إلى العبودية، ثم إلى السجن. يبدو وكأن الحياة تُصر على كسرك، لكنك تواصل السير. في النهاية، تصبح عزيز مصر، وتُحقق رؤيتك التي طالما حلمت بها. هذه القصة ليست فقط درسًا في الصبر، بل في كيفية تحويل الألم إلى نجاح. عندما تفهم أن كل ابتلاء هو جزء من خطة أكبر، تجد القوة لتتحمل وتكمل المسير.
قد تشعر في لحظات أن الطريق طويل، أو أن جهودك تذهب سدى. لكن تذكر وعد الله: «فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ». كل عمل صالح تقوم به، كل مرة تختار فيها الخير على الشر، كل لحظة تصبر فيها على أذى أو معاناة، تسجل في ميزانك. النجاح ليس أن تصل بسرعة، بل أن تصل وأنت تحافظ على نقائك وأخلاقك.
الحياة ليست سهلة، ولكنها جميلة لمن يفهم قواعدها. إذا كنت تتقي الله في أفعالك وتتحلى بالصبر في وجه المصاعب، ستجد أن أبواب النجاح تُفتح أمامك بطرق لا تتوقعها. لا تيأس مهما اشتدت التحديات، لأن الله لا ينسى المحسنين. كن مثل يوسف، اجعل التقوى دليلك والصبر قوتك، وستجد أن رحلتك في الحياة مليئة بالسعادة والنجاح على المستو الشخصي والمجتمعي وفي العمل.
هذا العالم مليء بالفرص، لكنه أيضًا مليء باتحديات والعقبات. من يتقي الله ويصبر، لن تسلبه الأيام قوته، ولن تُطفئ الرياح شعلته. تذكر دائمًا: النجاح الحقيقي هو أن تصل إلى نهاية الطريق وأنت تعلم أنك لم تخسر نفسك في المنتصف، وأنك عشت بقلب مطمئن ونفس راضية. الله لا يضيع أجر المحسنين، وهذه الحقيقة وحدها كفيلة بأن تملأ قلبك بالأمل وتجدد فيك العزم على العمل. أتساءل ان طبقنا التقوى والصبر في بناء خدمات للذكاء الاصطناعي وحواسيب الكم في ايامنا هذه، فأين سنصل؟ ربما سنقود العالم في العلم المعرفة والله أعلم. ــ الدستور