الأخبار

د محمد العزة يكتب : سقط سهوا أو لغوا .. الاردن يستحق الذكر و لا ينتظر الشكر

د محمد العزة يكتب : سقط سهوا أو لغوا .. الاردن يستحق الذكر و لا ينتظر الشكر
أخبارنا :  

د محمد العزة

اندلعت الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023، بقرار لم يكن دوليا أو إقليميا أو عربيا فلسطينيا أو اسرائيليا ، بل جاء القرار من داخل كل جزء من الاطراف أعلاها و بشكل مسبق ، ضمن سياق المشاركة في ما يسمى مخطط الشرق الأوسط الجديد ، حيث انخرط فيه كل جزء من الأطراف المعنية ضمن منظومة من المحاور دفاعا عن مشاريعها الخاصة و مصالحها.
لتفعيل و تنفيذ هذا المخطط كان هناك حاجة إلى إعداد العدة و العتاد و السيناريو و احكام الحبكة و اختيار الادوات و حشد الولاءات داخل ساحات الجبهات و تجهيز القوات و إطلاق عداد الضحايا الجرحى منهم و الاموات لدى الطرفين لتصبح أرقاما على الشاشات و مادة إعلامية للتحليل تتصدر ساعات البرامج للقنوات التلفزيونية التابعة لكل طرف وتدين له بالولاء و التبعية في إثبات صحة رواية و سردية كل منهم و حرصها على احتلال مساحة لها داخل الوعي و رأي الشارع العربي و إثارة ثقافة الانقسام و تعزيز مفهوم ان لم تكن معي فأنت ضدي.
تم انتظار ساعة الصفر و انطلقت شرارة المعركة من غزة ، بهجوم خاطف بقرار اتخذته حركة حماس على الثكنة العسكرية الاسرائيلية و حققت اختراقا لاقوى منظومة دفاع بعد خط برلييف و كبدت الكيان خسائر غير مسبوقة و لا تضاهيها مثيل في تاريخ المعارك العسكرية مع الكيان ، مابين اسير وقتيل خلال ساعات ، بعدها ما لبثت وان تعالت أصوات الشجب و الادانة و الاستنكار و قرعت طبول الحرب و استنفرت عواصم اطراف المخطط كله حسب دوره و أعلنت و تخلت عن من قام بهذه الخطوة و أدانت من اتخذ هذا القرار داخل الحركة و حملته كامل المسؤولية، و بذلك أعطت إشارة الضوء الأخضر للكيان الإسرائيلي بحق الرد تحت مظلة حق الدفاع عن النفس و بدعم مطلق غير مسبق .
الحرب شكلت صدمة للاردن الذي لم يكن طرفا فيها أو يتوقع الاقدام على هكذا خطوة بهذا الحجم أو اتخاذ هكذا قرار مصيري يرهن معه حياة أكثر من 2 مليون من أبناء غزة أو إقامة حسابات و ما سيكون لها من التبعيات والتداعيات على الشعب الفلسطيني و قضيته و تهدد الأمن القومي الاردني ، الذي اكتشف المخطط و قرأ المشهد جيدا و اخضعه للتحليل في محاولة توقع أهدافه ، التي رصد أولها و أخطرها وكان هدفا رئيسيا للثكنة العسكرية الاسرائيلية، تمثل بالتهجير القسري للشعب الفلسطيني من غزة و افراغها من شعبها ، و هذا يفسر بدء الهجوم على القطاع وبرد عنيف غير متناسب القوة أو مبرر لارتكاب مجازر ابادة جماعية و تدمير البنية التحتية و المؤسسات الدينية والمدنية .
الاردن حينها كان في بداية أطلاق اولى خطوات مساراته للتحديث و التهيئة للاستعداد للتحولات الديمقراطية و الاستدارة إلى ملفاته الداخلية ( المديونية ، البطالة ، غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار ، الاستثمار ) التي ارهقته تأجيلها جراء تداعيات الأحداث الخارجية و تأثرها بها خاصة تلك التي سبقت الحرب ، سواء حربه على المخدرات مع حدوده الشمالية داخل اراضي الدولة السورية ، و ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية و غيرها ، لكنه دخل المعركة مع غزة و على كل الجبهات دبلوماسيا و لوجيستيا بالإضافة للاشتباك العسكري شمالا لإفشال مخططات كل طرف يريد أن يقضي مصلحته على حساب المصلحة الأردنية والتأثير على قراره و مواقفه الوطنية السياسية الراسخة و الثابتة تجاه القضية الفلسطينية أو محاولة تغير ما تمليه قناعة و كينونة العقيدة والعقلية والهوية العروبية له .
الاردن بذل ديناميكية ديبلوماسية عالية المستوى و الحركة التي قادها الملك و أفراد عائلته و استطاعت صد هجوم الآلة الإعلامية الغربية وتخفيف من حدة خطابها و فسح المجال للاستماع إلى وجهة نظر الضحية بدلا من الاكتفاء بالترويج وتبني راوية الجلاد الإسرائيلي ، و صارت وزارة الخارجية ككتيبة بل استبسل وزير الخارجية الأردني الصفدي في حفر و رفع شعار ( المقاومة فكرة و الفكرة لاتموت) ، ليقوم الشارع الأردني وشعبه الوفي لتوأمه الفلسطيني و التعبير عبر الفعاليات و المسيرات ، ثم لتتوالى الأوامر للقوات المسلحة الأردنية والايعاز لها و البدء بأرسال المساعدات الإنسانية بمختلف أشكالها من المستشفيات و طواقمها الميدانية للقطاع والضفة الغربية ، برا بتسيير القوافل البرية و جوا عبر الانزالات الجوية التي قادها الملك و نجله البكر ولي العهد ثم ابنته فوق منطقة عمليات تعتبر نشطة ساخنة عسكريا .
الاردن لم و لن ينتظر الشكر هذا دينه و ديدنه لكنه يستحق الذكر وأن يذكر بأنه اول من دافع عن قضيته المركزية القضية الفلسطينية و تصدى لمشروع تصفيتها و احباط مخططات التهجير القسري و اوهام الوطن البديل على حساب الاردن، يستحق أن يذكر و هو من دافع عن غزة وحاسب بالدم و مازالت دماء شهداءه الحويطات وأبو غزالة والقواس غضة طرية و من قبلها في 48 و 67 ما زالت اسوار القدس تفوح برائحة دماء الشهداء الزكية .
فلسطين ليست بحاجة إلى وصاية من هؤلاء في ما يسمى المكتب السياسي ، و من حق الشعب الفلسطيني أن يقرر مصيره بعد كل هذا العناء و هذه الدماء و الدمار دون فرض عليه من يناضل لأجل البقاء تحت اضواء السلطة و على كرسي المفاوضات تحت الوصاية و الرقابة و القرارات الأمريكية و لاحقا انقلبوا على محاورهم بعد أن انتهت مصلحتهم و انتهت مهمتهم.
من فاوض و صمد هو الدم الفلسطيني و من ساهم في دعم هذا الصمود وكسر الحصار عنه في أول المعركة هو الاردن .
حتي مصر كان بوسعها فتح المعابر والسماح لأهل غزة للهروب من ذلك الجحيم و السماح بتهجيرهم لكنها رؤية التنسيق العربي التي ثبت صحتها .
كان الأولى من هم في المكتب السياسي للحركة أو للجماعة التي ينتموا لها أن يظهروا أنهم ليسوا هواة سياسة و التحلي بكياسة أكثر تمكنهم من ممارسة الديبلوماسية حسب أصولها و اعرافها التي توجب في الحد الأدنى التقدم بالشكر و ذكر من قدم و ضحى و دعم صمودك و لم يزعم أنه ينتظر مقابل ، لكنه اي هذا المكتب أو الجماعة اختاروا أن يظهروا كأداة لشق الصفوف و ليحافظوا على خانتهم داخل إقامة خمسة نجوم التي اتضح أن أهدافها إطالة أمد الحرب و الايغال في الدم الفلسطيني و استغلال كل دقيقة فيها من الحكومة اليمينية الدينية المتطرفة و استثمارها لتحقيق أهدافها و كاد أن يخرج من هذه الطاولة بعد رفع الحصانة عنه من المضيف.
الاردن لن ينتظر من تلك الجماعة أو التيارات الشكر التي أستغرب الشارع الأردني خلو بياناتهم من التطرق إلى الدور الاردني المحوري المتقدم الصلب على غيره من الدول فى دعم صمود غزة ، لكن من حقه على كل القوى السياسية الاردنية في الداخل واجب أن تظهر موقفه و اصدار بيان بالإشادة به لأنه مبدئي حمل على عاتقه أعباء القضية التي كان له الدور الاساسي في تقديم الدعم و الدفاع و الحماية عن شرعيتها ، منذ البداية و اقتسام الملح و الخبز والغذاء والدواء والدماء مع شقيقه و توأمه الفلسطيني .

مواضيع قد تهمك