الأخبار

د. محمد رسول الطراونة : حذاري... حذاري من «تسونامي» الأمراض المزمنة

د. محمد رسول الطراونة : حذاري... حذاري من «تسونامي» الأمراض المزمنة
أخبارنا :  

أرقام مفزعة كشفت عنها نتائج المسح الوطني لرصد عوامل الخطورة المرتبطة بالامراض المزمنة غير السارية في الاردن، ارقام تقشعر لها الابدان لما لها من تأثير وانعكاسات سلبية على الكثير من نواحي حياة المواطن الصحية والاجتماعية والاقتصادية.

الامراض المزمنة (غير السارية) أمراض لا تنتقل بالعدوى، يصاب بها الشخص على مدى زمني طويل، ومن يصاب بأحدها، يكون لزاما عليه–على الاغلب–تلقي العلاج مدى الحياة، وهى عديدة ومتنوعة، على رأسها أربعة أمراض رئيسية: الامراض القلبيــة والوعائيــة، الســرطان، الســكري، وأمــراض الجهــاز التنفســي الانسدادية المزمنــة، هذه الامراض تشترك في مجموعة من عوامل خطورة لحدوثها منها التدخين وتناول الكحول والغذاء غير الصحي وعدم او قلة ممارسة النشاط البدني.

نتائج المسح تشير الى ان الاردن يقف اليوم امام تسونامي لديه قوة هائلة ومدمرة لا تحمد عقباها اذا لم يتم التدخل بشكل سريع وبمنهجية علمية بعيداً عن الفزعة اذ تشير النتائج إلى أن 78% من الوفيات بين الاردنين تنجم عن هذه الامراض، وأن الاردنيين يتقدمون بنسب التدخين بينما العالم يتراجع وأن 42% مدخنون حاليون مقارنة بـ 29% في المسح السابق وبمعدل إنفاق على السجائر يصل الى 60 ديناراً شهرياً.

ومما يقلق ايضا أن خُمس الاردنيين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، وخُمس مصابون بالسكري، وخُمس يعانون من ارتفاع الدهنيات وثلث يعانون من السمنة وثلثين من زيادة الوزن وحوالي ثلاثة ارباع الاردنيين اي 76% لا يشاركون باي نشاط بدني، وثلث الاردنيين ممن هم في الفئة العمرية 18- 44 سنة وهي الفئة العمرية المنتجه لديهم ثلاثة عوامل خطورة واكثر وتصل النسبة الى الثلثين في الفئة العمرية 45–69 سنة.

ويمكن القول جزافا، ولن اكون مخطئا، ان 40% من الاردنيين ممن هم في عمر الـ 40 عاماً واكبر يعانون من اربعة امراض على الاقل، الا انه بالرغم من هذه الارقام المرعبة لم تحظ الأمراض غير السارية بتداول إعلامى كالذي حدث مع فيروس كورونا.

ان جوهر السيطرة على هذه الأمراض يكمن في التحكم في عوامل الخطورة لها من خلال وضع نهج شامل وتشاركي اي بمشاركة والتزام من جميع القطاعات تقوده وزارة الصحة وبمشاركة وزارات المالية والنقل والتعليم وغيرها من الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص والقطاع غير الحكومي للعمل سوية من أجل الحد او التقليل من مخاطر هذه الامراض وتعزيز التدخلات الرامية إلى الوقاية منها ومكافحتها مع تسليط الضوء على الحاجة الملحة إلى تحسين الرعاية الصحية الأولية لانها الأساس الذي تقوم عليه مكافحة هذه الأمراض.

وفي اطار الحديث عن التصدي لهذه الامراض تعود بي الذاكرة الى العقد الماضي عندما تشكلت لجنة وطنية لوضع استراتيجية للتصدي للامراض غير السارية – المزمنة–وكلف آنذاك البروفيسور كامل العجلوني برئاسة هذه اللجنة وقيادة فريق اعداد الاستراتيجية التي اطلقت عام 2011 بحضور دولة رئيس الوزراء انذاك.

وقد حرص الدكتور العجلوني على دعوة معظم وزراء الصحة السابقين لحضور الاحتفال وكشهود عيان على ما آلت اليه الامور، آنذاك اكدت الحكومة وعلى لسان رئيسها انها ستولي هذه الاستراتيجية الاهتمام الكافي، اذ تبنتها في ايار من ذات العام وتم تفويض البروفيسور العجلوني بالمتابعة والاشراف وتقديم تقرير سنوي للرئيس يتضمن سير العمل، الا ان الحكومة لم ترصد فلسا واحدا لتنفيذ خطة العمل وكأنها تقول «اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون» حيث شرع الدكتور العجلوني وبشكل تطوعي رافقه العبد لله كاتب هذه السطور بتنفيذ عدة نشاطات ميداني? استمرت عاماً، ركزت على دور المساجد في التوعية الصحية ودور أمانة عمان والبلديات في تخصيص اماكن للمشي وتحرير الارصفة ودور وزارة التربية بعدم السماح للمدارس بتوزيع الاطعمة غير الصحية واعتبار حصة الرياضة حصة اساسية.

خلاصة القول؛ مكافحة الأمراض غير السارية والوقاية منها امر مهم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تصبو إلى تخفيض الوفيات المبكرة الناجمة عن هذه الأمراض بمقدار الثلث بحلول عام 2030، ما يتطلب توسيع نطاق العمل الوطني بشأن هذه الأمراض، خلاف ذلك سنجد انفسنا في عين «التسونامي».

*امين عام المجلس الصحي العالي السابق


مواضيع قد تهمك