الأخبار

م. نضال البيطار : مجلس المستقبل: رؤية وطنية مبتكرة

م. نضال البيطار : مجلس المستقبل: رؤية وطنية مبتكرة
أخبارنا :  

يُعد تكليف جلالة الملك عبدالله الثاني رئيس الوزراء بتشكيل ورئاسة مجلس وطني لتكنولوجيا المستقبل، وبمتابعة من سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، مبادرة ريادية وخطوة محورية نحو تعزيز مكانة الأردن على خارطة الابتكار التكنولوجي العالمي وتحقيق السيادة الرقمية.

ففي ظل الإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها المملكة من كفاءات بشرية متميزة ودعم قيادي استراتيجي، تأتي هذه الخطوة لتكون حجر الزاوية في تحويل الأردن إلى مركز إقليمي وعالمي في مجال التكنولوجيا العميقة، والتي تشمل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، وتكنولوجيا النانو، والهندسة البيولوجية، والروبوتات المتقدمة، وإنترنت الأشياء، والطاقة المتجددة والتخزين المتقدم للطاقة، وعلم المواد المتقدم، والواقع الممتد، وتكنولوجيا الفضاء، والأمن السيبراني، والتكنولوجيا الحيوية، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والواقع الرقمي والميتافيرس.

إن الأردن يمتلك سجلًا مشرفًا من الكفاءات التي أثبتت تفوقها على الساحة الإقليمية والدولية في مختلف المجالات التقنية، مما يعكس قدرة الأردن على توفير موارد بشرية عالية الجودة، ومع وجود رؤية استراتيجية بقيادة جلالة الملك، وبمتابعة حثيثة من قبل سمو ولي العهد، وبرئاسة دولة رئيس الوزراء، يُمكن للمجلس أن يوظف هذه الكفاءات لتعزيز الابتكار وتحقيق الريادة، مع التركيز على استشراف المستقبل لتكون الأردن سباقة في تطوير التكنولوجيا لا مجرد مواكبة لها.

وعند النظر إلى التجارب العالمية، نجد أن العديد من الدول المتقدمة قد أنشأت مجالس ولجان وطنية متخصصة بتكنولوجيا المستقبل لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

فقد أطلقت اليابان «اللجنة الوطنية للابتكار التكنولوجي» عام 2016 لتطوير تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، حيث ساهمت هذه اللجنة في تحسين خدمات النقل والطاقة بفضل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وفي الصين تم إنشاء لجنة استشارية للذكاء الاصطناعي عام 2017 كجزء من خطتها الوطنية لتكون الرائدة عالميًا في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، إذ قادت هذه اللجنة مشروعات كبرى مثل المدن الذكية وتحليل البيانات الضخمة.

أما فرنسا، فقد أطلقت «مجلس الابتكار الوطني» كجزء من استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي عام 2018. إذ ساهم المجلس في تعزيز البحث والتطوير، خاصة في مجالات الصحة والنقل، وضخ استثمارات بأكثر من مليار يورو لدعم الشركات الناشئة.

في حين ان ألمانيا استطاعت من خلال «مجلس التكنولوجيا المستقبلية والذكاء الاصطناعي»، أن تصبح مركزًا رئيسيًا لتطوير السيارات ذاتية القيادة واستخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة شبكات الطاقة، كما أن المملكة المتحدة أنشأت «مجلس الذكاء الاصطناعي» عام 2018 لتقديم استشارات حول السياسات التكنولوجية، وقد ساهم هذا المجلس في تطوير معايير أخلاقية لتقنيات الذكاء الاصطناعي ودعم الابتكار في قطاع الصحة.

ومع أخذ هذه النماذج العالمية بعين الاعتبار، يمكن للمجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل أن يستلهم هذه التجارب، ويصمم نموذجًا يعكس احتياجات الأردن الفريدة، وأن يكون منصة تجمع القطاع العام، والقطاع الخاص، والأكاديميا، لضمان التشاركية في صنع القرار وتنفيذ المبادرات.

ومن المتوقع أن تشمل الأولويات القصوى لمهام المجلس وضع استراتيجية وطنية شاملة لتكنولوجيا المستقبل يتم فيها تحديد الأولويات الوطنية في مجالات التكنولوجيا العميقة، ووضع خطط زمنية وأهداف قابلة للقياس لتحقيق الريادة التكنولوجية، بالإضافة إلى تعزيز البحث والتطوير، وتعزيز الابتكار في القطاعات الحيوية من خلال توفير التمويل اللازم لدعم الابتكار والأبحاث في مجالات التكنولوجيا العميقة، وتطبيق التقنيات الحديثة في القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والزراعة، والنقل، وإنشاء مراكز أبحاث متخصصة بالشراكة مع الجامعات وال?طاع الخاص، بالإضافة إلى تمكين الشركات الناشئة ورواد الأعمال، وبناء شراكات دولية مع الدول الرائدة في مجالات التكنولوجيا، وتعزيز التشاركية بين كل من القطاعات العام والخاص والأكاديمي لضمان التكامل في تنفيذ المبادرات، كما أن تطوير التعليم وضمان جودته وبناء الكفاءات من خلال تحديث المناهج التعليمية لتشمل أحدث التقنيات لا بد أن يتم بأسرع وقت ممكن.

بالإضافة إلى ذلك فإن المتوقع من المجلس أن يشرف على وضع أطر قانونية وأخلاقية وتشريعات لتكنولوجيا المستقبل تنظم استخدام التقنيات العميقة، وتضمن الاستخدام الآمن والأخلاقي.

ولضمان نجاح المجلس، لا بد له أن يتمتع بسلطة مؤثرة تسمح له بتحديد الأولويات الوطنية، كما أنه من المتوقع أن يكون المجلس مسؤولًا عن تنسيق الجهود بين القطاعات المختلفة ومساءلة الجهات المعنية بناء على خطته الاستراتيجية، مع التركيز على تحقيق أهداف واضحة قابلة للقياس تجعل الأردن ليس فقط مواكبًا للتطورات، بل سباقًا في هذا المجال.

وفي الختام، فإن تأسيس مجلس وطني لتكنولوجيا المستقبل في الأردن يمثل خطوة جريئة نحو تحقيق الريادة في مجال التكنولوجيا، حيث إن القيادة الداعمة والإرادة القوية والكفاءات الأردنية المتميزة تضمن أن هذا الهدف ليس بعيد المنال، بل هو مسألة وقت وتخطيط استراتيجي محكم، وإدارة كفؤة.

الرئيس التنفيذي لجمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات في الأردن - إنتاج

مواضيع قد تهمك