المحامي اسامة البيطار : التكنولوجيا المستقبلية والملكية الفكرية
في عصر الثورة الرقمية، أصبحت التكنولوجيا الحديثة المحرك الرئيسي للاقتصادات العالمية، ما يجعل الحاجة إلى حماية حقوق الملكية الفكرية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. وفي الأردن، يمثل "المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل” الذي أطلقه جلالة الملك عبدالله الثاني مبادرة استراتيجية تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي للابتكار الرقمي، مع ضمان حماية الحقوق الفكرية للمبدعين والمبتكرين.
لا شك انضمام الأردن إلى اتفاقية تريبس وغيرها من الاتفاقيات الدولية يعكس التزام المملكة بتوفير بيئة قانونية تضمن الحماية الكاملة للملكية الفكرية. ومع ذلك، فإنني أرى أن إنشاء هيئة عليا متخصصة في حقوق الملكية الفكرية أصبح ضرورة وطنية لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة.و هذه الهيئة ستعمل جنبًا إلى جنب مع المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل لضمان تكامل الجهود وتحقيق الأهداف المرجوة.
التكنولوجيا الحديثة وأبعاد الملكية الفكرية
التطورات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي، الطباعة ثلاثية الأبعاد، والبلوك تشين أحدثت تحولًا كبيرًا في مفهوم الإبداع. لم تعد الملكية الفكرية تقتصر على الحقوق التقليدية كحقوق المؤلف وبراءات الاختراع، بل توسعت لتشمل:
• حماية الخوارزميات وقواعد البيانات.
• الحقوق الرقمية المتعلقة بالتصميمات والابتكارات التقنية.
• الأصول الرقمية كالرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs).
أهمية إنشاء هيئة عليا للملكية الفكرية
تُعد فكرة إنشاء هيئة عليا لحقوق الملكية الفكرية خطوة محورية لضمان التنسيق الفاعل بين الأطراف المعنية، وتقديم الدعم القانوني والفني اللازم. هذه الهيئة ستتولى:
• تنسيق الجهود بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لضمان حماية متكاملة للحقوق الفكرية.
• صياغة سياسات حديثة تتماشى مع التطورات التكنولوجية، مع تعزيز الالتزام بالاتفاقيات الدولية مثل اتفاقيتي تريبس وبرن وغيرها العشرات من الاتفاقيات
• نشر الوعي والتثقيف حول أهمية حماية الملكية الفكرية، خاصة للشباب ورواد الأعمال.
• تحفيز البحث والتطوير عبر تقديم حوافز للمبتكرين وبناء قواعد بيانات وطنية للابتكارات.
الأثر الاقتصادي والاجتماعي لتكامل التكنولوجيا والملكية الفكرية
إن تكامل التكنولوجيا والملكية الفكرية في الأردن يفتح آفاقًا واسعة لتحقيق الأهداف التنموية. من خلال نظام حماية متكامل:
• يزدهر الابتكار المحلي، حيث يطمئن المبدعون إلى حماية ابتكاراتهم، مما يشجع ريادة الأعمال.
• تزداد الاستثمارات الأجنبية، إذ تبحث الشركات العالمية عن بيئات قانونية تضمن حقوقها.
• تعزز التنمية المستدامة، خاصة من خلال دعم المشاريع التكنولوجية المرتبطة بالطاقة النظيفة والتعليم الرقمي.
رؤية جلالة الملك نحو المستقبل
انني اعتبر انشاء هذا المجلس رؤية متقدمة لجلالة الملك خاصة انه اوكل باشرافه لولي العهد ورئاسة رئيس الوزراء مما يدل على الافق الواسع للمرحلة القادمة ، إن نجاح الأردن في بناء اقتصاد رقمي مستدام يعتمد على تطوير بنية مؤسسية وقانونية تضمن حماية الابتكارات. وارى ان إنشاء هيئة عليا تُعنى بحقوق الملكية الفكرية، تحت مظلة المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، سيُسهم في تحقيق نقلة نوعية تعزز من مكانة المملكة كمركز إقليمي للتكنولوجيا والابتكار.
بهذا النهج، يمكن للأردن أن يصبح نموذجًا يُحتذى به في الدمج بين التكنولوجيا الحديثة والملكية الفكرية، بما يُحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأجيال القادمة.