الأخبار

د. د. مهند النسور : واقع الأزمات الصحية في منطقة شرق المتوسط: بين التحديات الكبرى وآمال الإنجاز في عام 2025

د. د. مهند النسور : واقع الأزمات الصحية في منطقة شرق المتوسط: بين التحديات الكبرى وآمال الإنجاز في عام 2025
أخبارنا :  

لقد كان عام 2024 عامًا مليئًا بتحديات صحية كبرى شهدتها منطقة شرق المتوسط، حيث تفاقمت الأزمات نتيجة الصراعات والحروب، علاوة على التغيرات المناخية المتسارعة التي تسببت في أحداث وكوارث طبيعية غير مسبوقة. لم يمر شهر دون تقارير أو بيانات تكشف عن أرقام مقلقة حول قضايا صحية ملحة، سواء كان ذلك بتفشيات جديدة للأوبئة، أو تراجع أداء النظم الصحية، أو ظهور أمراض مستجدة.

فمع مرور عشر سنوات على الصراع في اليمن، الذي وضع البلاد في أزمة تُصنف ضمن «الأزمات المنسية» بحسب تصريحات أممية، بات اليمن يعاني من عواقب اقتصادية واجتماعية أدت إلى مشكلات صحية وإنسانية جمة، بدءًا من انتشار سوء التغذية وإرهاق النظام الصحي، وصولًا إلى التفشيات المتكررة للأمراض، مثل تفشي مرض الكوليرا. وفي السودان، يبرز كابوس الأمن الغذائي والمجاعة كأحد أكبر التحديات، حيث تفشت المجاعة في خمس مناطق على الأقل، ومن المتوقع أن تواجه خمس مناطق أخرى المجاعة بحلول مايو المقبل.

وفي سوريا، تتزايد الاحتياجات الصحية الملحة للسوريين المتضررين من سنوات الصراع، حيث تواجه سوريا اليوم ظروفًا صحية وإنسانية معقدة تتطلب استجابة عاجلة للتخفيف من معاناة الملايين وإرساء أسس التعافي المستدام.

أما في غزة، فقد دُمر النظام الصحي وأُلحقت أضرار كاملة بالمستشفيات، كان آخرها استهداف مستشفى كمال عدوان في آخر أيام عام 2024. ولا يقتصر الأمر على غزة فقط في فلسطين؛ ففي الضفة الغربية، تفاقمت القيود المفروضة على حركة المرضى والعاملين الصحيين، مما زاد من صعوبة الوصول إلى المرافق الصحية. وفي لبنان، تعرض النظام الصحي لضرر كبير استهدف البنية التحتية الصحية والعاملين الصحيين وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية.

في ظل هذه الأزمات، تستهدف جهود الاستجابة الإنسانية. في نهاية هذا العام، كان هناك مثال صارخ على هذا الاستهداف. فاستيقظ العالم أواخر العام على حادثة يرفضها المنطق ويجرمها القانون الدولي والإنساني، حيث أصابت قاذفات حربية مكان تواجد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، وفريقه، في استهداف لمحيط مطار صنعاء الدولي، فغدت هذه الحادثة تذكيرًا صارخًا بالتحديات التي تواجهها جهود الاستجابة الإنسانية.

في مواطن النزاع، يقع الأطفال والنساء ضحايا لتأثيرات صحية جسدية ونفسية قد يكون معظمها غير قابل للإصلاح. وفي خضم هذه الأزمات، تفاقمت أزمة اللاجئين والنازحين، كما بدأت تأثيرات تغير المناخ تظهر بشكل أوضح، مما أسهم في تفاقم الأزمات الصحية في مناطق الصراع، حيث أصبحت الأنظمة الصحية مثقلة بتفشيات أمراض جديدة وزيادة الضغط على الموارد الصحية المحدودة.

لكن هناك بصيص أمل رغم هذه الصورة القاتمة، فقد أظهرت الأنظمة الصحية في اليمن وغزة ولبنان والسودان قدرة فائقة على الصمود في مواجهة التحديات الضخمة. فوفقًا لدراسات بحثية، فإنه بالرغم من الحروب والصراعات، قامت هذه الأنظمة بمجهود كبير لتقديم الخدمات الصحية الأساسية، بفضل تكاتف الجهود المحلية والدولية. ففي السودان، على سبيل المثال، استمرت وزارة الصحة في تقديم اللقاحات والخدمات الضرورية رغم الصراع المستمر. وفي لبنان، أشاد مسؤولو منظمة الصحة العالمية بالنظام الصحي الوطني، واعتبروا أن وزارة الصحة تستحق التقدير في ت?املها مع العديد من الأزمات المختلفة، بما في ذلك الأزمة الأخيرة والأزمة الاقتصادية، والكثير من التحديات الأخرى.

وفي اليمن، تُبذل جهود حكومية كبيرة لمواجهة تداعيات كوارث الفيضانات والسيول وما تسببه من مخاطر وبائية وفقًا للإمكانات المتاحة. بالإضافة إلى ذلك، توضع العديد من الخطط والاستراتيجيات الصحية بهدف الانتقال من الاستجابة الإنسانية الطارئة إلى تحقيق الاستقرار والتنمية في القطاع الصحي. أما في غزة، فتبذل المجتمعات المحلية جهودًا بطولية للتكيف مع الأزمة الحالية للحفاظ على تقديم الرعاية الصحية تحت ظروف بالغة الصعوبة، إن جاز التعبير، وهي ظروف مستحيلة.

وفي ظل هذه الأزمات، برزت إنجازات تجلت في التعاضد الإقليمي للاستجابة للطوارئ الصحية، حيث أظهرت الدول المقتدرة التزامًا واضحًا بدعم المجتمعات المتضررة من الأزمات والطوارئ الصحية. على سبيل المثال، قدم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، ودولة الإمارات العربية المتحدة مساعدات متنوعة ودعمًا سخيًا. ولا نغفل عن دور المملكة الأردنية الهاشمية في تقديم المساعدة الطبية من خلال مستشفياتها الميدانية في غزة والضفة الغربية.

ختامًا، بينما تواجه منطقة شرق المتوسط تحديات كبيرة في الصحة العامة، يجب أن نتحلى بالأمل وروح الإيجابية، مستندين إلى العلم لتوظيف مواردنا الإنسانية والمادية ضمن شراكات إقليمية ودولية لتعزيز الأنظمة الصحية وجعلها أكثر صلابة ومرونة. مع بداية عام 2025، يجب أن نعي تحدياتنا الصحية أكثر ونعمل بجد لمواجهتها والسير على درب الإنجاز. ــ الراي

مواضيع قد تهمك