لما جمال العبسه : «الناقل الوطني» إعادة اعتبار لقطاعات متعددة
كانت ولا تزال مشكلة ندرة المياه في الاردن احد اهم عوائق الاستثمار خاصة في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية وقطاع الخدمات بشكل ما، وقبل ذلك كله معضلة تواجه المستهلك، ولان تأثير نقص شريان الحياة هذا كبير على المجتمع الاردني عموما وعلى الاقتصاد بشكل خاص، كان تركيز الملك عبد الله الثاني ضمن رؤية التحديث الاقتصادي على تنفيذ مشاريع تنموية طويلة الامد يمكنها سد فجوة النقص في المياه في الاردن الذي يعد من افقر دول العالم في هذا الجانب.
ولأن ما يحدث في محيطنا يؤثر علينا، فقد ادت الحرب الاهلية السورية على مدار السنوات الماضية، بالاضافة الى محاولة دولة الكيان الصهيوني بالضغط على الاردن من خلال تقليل كميات المياه التي يحصل عليها بموجب اتفاقية وادي عربة، مع التغيرات المناخية التي اثرت على كميات الهطول المطري، جميعها سيجعل من مشكلة الفقر المائي في المملكة تتفاقم يوما بعد الاخر ان لم يكن هناك تحرك استراتيجي في هذا الجانب.
ضمن هذا الاطار ومع تركيز حكومة الدكتور جعفر حسان على تنفيذ مشاريع استراتيجية تنموية طويلة الاجل، جاء توقيع اتفاقية عقد تنفيذ مشروع الناقل الوطني امس الاول، وهو مشروع تحلية ونقل المياه من العقبة الى عمان بين الحكومة و تحالف مستثمرين تقوده شركتا ميريديام وسويز.
لاشك ان هذا المشروع الذي يهدف لتحلية 300 مليون متر مكعب من مياه البحر سنويًا من خليج العقبة، يعتبر احد الحلول المستدامة لسد النقص في المياه، ليكون بذلك اكبر مشروع بنية تحتية تنفذه المملكة، ولا شك ان الوصول الى هذا التوقيع للاعلان عن بدء انطلاق المشروع رسميا جاء بعد ان مر بعدة ظروف منها انسحاب الشركات المتقدمة لتنفيذه، عدا عن مشاكل التمويل وغير ذلك، الا انه في نهاية المطاف ومع وضوح الرؤية التي يصاحبها الاصرار على الانجاز كان تجاوز هذه الصعوبات بشكل عملي يُفضي الى تنفيذه.
هذا المشروع الذي سينفذ بالشراكة ما بين القطاعين العام والخاص بنظام البناء، التشغيل، ونقل الملكية (BOT)، له انعكاسات ايجابية على الاقتصاد الوطني خلال فترة تنفيذه، فعلى سبيل المثال سيفتح مجالا واسعا لتوفير فرص عمل في مجالات واعمال مختلفة يحتاجها هذا المشروع الهام، كما سيوفر فرصا استثمارية للشركات المحلية المتوسطة والصغيرة للمساهمة في انجازه، عدا عن ذلك سيكون مجالا واسعا لفتح افاق جديدة امام المستثمر المحلي لانشاء شركات تمد اجزاء من احتياجات هذا المشروع لاتمامه.
عدا عن ذلك سيلعب الائتلاف دورا في نقل الخبرات في هذا الاطار للاردن بشكل عملي، ويسهم في خلق افكار مشاريع ريادية لدعم القطاع الزراعي وقطاع الثروة الحيوانية والانطلاق بهما لافاق التنافس في الاسواق الخارجية، كما سيكون له دور في جعل الاردن ضمن الدول التي لديها تصنيع غذائي بالمعنى الحقيقي للكلمة من خلال زيادة الاستثمارات المحلية وجذب استثمارات خارجية، بعد ان كانت معضلة نقص المياه تقف عائقا امام هذه القطاعات.
لكن هذا المشروع على اهميته الاستراتيجية، لا يُعفي الحكومة من التفكير في حلول قصيرة ومتوسطة الامد للمشكلة المائية، من خلال اعادة تأهيل السدود والتعامل مع الهطول المطري على قلته بشكل اكثر عملية والعمل على تقليل الفاقد المائي بشكل اكثر فاعلية علما بانه يشكل نسبا مرتفعة جدا، وهذا الامر الآن يُعالج بالتكنولوجيا المائية التي تتعامل مع تلك الدول التي تعاني من شح في المياه، ليكون هناك تعامل واستخدام أمثل للماء.
إضافة الى ذلك هناك ضرورة لكي تلعب الجهات الحكومية المعنية دورا في تغيير النمط الزراعي غير العصري السائد والذي لا يخدم الاقتصاد الكلي، خاصة وان المنطق الاقتصادي يشير الى ضرورة تنفيذ نمط زراعي له مردود اقتصادي واستثماري افضل وبعائد اعلى وقيمة مضافة مبررة بعيدا عن استنزاف مخزوناتنا المائية الهشة، عدا عن ضرورة النظر في مشكلات الثروة الحيوانية ومحاولة حلها وتجاوزها حتى نتمكن في الجانبين من تلبية الطلب المحلي والتصدير الخارجي. ــ الدستور