م. مدحت الخطيب : (جريمة سيل الزرقاء) المخفي أعظم
كان من هدي النبي عليه الصلاة والسلام إذا انتشر مرض في المجتمع أن يجمع الصحابة ويخطبهم بأسلوب نبويٍّ واضح لمواجهة الخطأ، ولإنكار المنكر، ولتقويم المعوج، قائلاً: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» ، كان حديثه يلفت الانتباه إلى الخطر، ويقدم العلاج للناس بطريقة تحمي المجتمع وتحافظ عليه. فليس من الحكمة أن تنتشر الأمراض الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع ونشاهدها جهاراً نهاراً ونصمت ونخفي ذلك خوفاً من كلام الآخرين، فذلك يعني أن المرض سيستمر ويستشري في المجتمع بأكمله، وتركه على الغالب دون علاج يكاد يمزق بنية المجتمع ولحمته.
ما حدث يوم أمس في واقعة سيل الزرقاء لا يقبله عقل ولا دين ولا عاطفة ، كارثة إنسانية أخلاقية دينية اجتماعية بكل ما تحمل الكلمة من مدلولات. كارثة سيل الزرقاء هزّت أركان مدينة الزرقاء بكل مكوناتها، لا بل هزت أركان كل أردني وإنسان، هي واحدة من أبشع الجرائم التي هزت المجتمع الأردني منذ سنوات . كيف لا والجاني هو الأب والمجني عليه فلذة الكبد، الأب الذي من المفترض أن يكون مصدر الأمان والحماية لأبنائه...
هل يعقل!! أن يقوم أب بإلقاء طفليه في سيل الزرقاء بسبب خلافات عائلية ويعلل ذلك ويقول: «قمت بذلك لحرق قلب زوجتي» بقصد الانتقام منها!!! ما هذا الجنون؟؟ ومن أوصلنا إلى هذا الحال؟؟
يقول الغزالي رحمه الله: «الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش ومائل إلى كل ما يمال إليه. فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكل معلم له ومؤدب. وإن عُوِّد الشر وأُهمل إهمال البهائم؛ شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له.»
قيل في الأثر، وبها أختم رسالتي إلى الآباء والأمهات المنشغلين عن تربية ابنائهم يا سادة، أطفالنا كأرض خصبة إذا أُلقيت فيها البذور الطيبة أنبتت نباتًا حسنًا، وأنتجت ثمرًا يانعًا، وإذا تُركت وأُهملت نبتت فيها الأشواك والأشجار الضارة..
قيل أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بابنه وقال: «إن ابني هذا يعقني». فقال عمر للابن: «أما تخاف الله في عقوق والدك؟ فإن من حق الوالد كذا وكذا». فقال الولد: «يا أمير المؤمنين، أما كان للابن على والده حق؟» قال: «نعم، حقه عليه أن يستنجب أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب». فقال الابن: «فوالله ما استنجب أمي، وما هي إلا سندية اشتراها بأربعمائة درهم، ولا حسن اسمي، سمَّاني جُعَلاً، ولا علمني من كتاب الله آية واحدة». فألتفت عمر إلى الأب وقال: «تقول ابني يعقني، فقد عققته قبل أن يعقك «.
رحم الله الأطفال، فهم طيور من طيور الجنة. وكلي يقين أنهم الآن عند الرحمن الرحيم، وهم بحال أفضل. ــ الدستور