فايز الفايز : مَن الأقرب لسوريا.. الأردن أم تركيا؟!
لو عدنا إلى التاريخ لوجدنا العلاقات الأردنية السورية في ظل حكم حافظ الأسد يشوبها الريبة منذ تسلم السلطة 1970، فقد عانى الأردن لبعض الوقت من الاشتباك ضمن الحد الأدنى إذ دفع ببعض قواته إلى الرمثا دون أن يتغول أكثر، فقد كان الأسد ينظر إلى الأردن على أنه الحديقة الجنوبية لدمشق، ولكن بعد حرب تشرين 1973 وانضمام قطع من الجيش الأردني للدفاع عن هضبة الجولان، عادت المياه لمجاريها.
فقد استمرت العلاقات للأفضل، حيث وقع الملك الحسين بن طلال حينها والرئيس حافظ الأسد على بروتوكول وحدة بين الأردن وسوريا واتخذت إجراءات رسمية لتسهيل عملية العبور بين الدولتين، كما قامت بين البلدين كثير من المشاريع الاقتصادية والإنمائية، ولكن قيام جيش النظام السوري تحت ظل حافظ الأسد بالإبادة الممنهجة للشعب السوري في حماه 1982 و 1984 ودفع رفعت الأسد بقواته ضد المدنيين، قابله خروج العديد من جماعة الإخوان المسلمين نحو الأردن، ومن هناك بدأت القطيعة بين النظام السوري والأردن.
وحتى تاريخ 31-12-2009 أعلنت الحكومة الأردنية على لسان رئيس الوزراء آنذاك نادر الذهبي، عن إلغاء ضريبة المغادرة والرسوم المفروضة على الأردنيين والمركبات والشاحنات والحافلات عند مغادرتها الحدود بين البلدين الأردن وسوريا، وذلك بناءً على القرار التنفيذي لمذكرة التفاهم الأردنية السورية الموقعة بين البلدين خلال اجتماع اللجنة الوزارية الأردنية السورية المنبثقة عن اللجنة العليا برئاسة رئيسي وزراء البلدين نادر الذهبي و محمد ناجي عطري والتي عقدت في دمشق، فيما كان الجانب السوري قد استبق الموعد الرسمي لتنفيذ هذه المذك?ة وبدأ بالتطبيق قبل شهر من الموعد المقرر.
و شكلت المذكرة في حينها خطوة مهمة في تعزيز العلاقات القوية بين البلدين، إذ أن المذكرة تنطوي على منافع وفوائد كثيرة مشتركة لمواطني البلدين وكان الأردن وسوريا اتفقا بموجب مذكرة التفاهم على تقديم التسهيلات الممكنة في مجال التجارة والنقل وحركة المسافرين من البلدين والموانئ لديهما عقب الاجتماع الموسع للجنة الوزارية المشتركة في حينها.
وبعد عامين من تلك الاتفاقيات، انفجر الوضع الأمني في سوريا العام 2011 حتى وصلت إلى حرب ضروس، وسعى حينها جلالة الملك عبدالله الثاني لرأب الصدع والتعامل مع الشعب السوري ولكن لم يكترث بشار الأسد لأي نصيحة صادقة، فقد أدخل إلى سوريا الجيش الروسي والإيرانيين وحزب الله لدحر المقاومة الشعبية.
و في البداية انتهج الأردن استراتيجية تقوم على الحذر والتردد في إعلان موقف صريح من تصاعد وتيرة العنف، ولكن الملك أمرّ بمساعدة وإدخال الأشقاء السوريين وتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين من درعا، حتى وصل عدد اللاجئين أكثر من مليون سوري على الأرض الأردنية يعيشون بكل أمن واطمئنان وينتهجون الأعمال كافة دون أي أن يعترضهم أحد ومع تطور الأحداث على الساحة السورية.
وبقي موقف الأردن ميالاً للحذر حفاظًا على مصالحه الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية الحيوية سوريا ورفض سحب السفير من دمشق في آب 2011، رغم تأييد عمان قرارات الجامعة، وكان جلالة الملك عبد الله الثاني، أول من نصح رئيس النظام السوري، بشار الأسد بالتنحي في مقابلة له مع هيئة الإذاعة البريطانية، وكانت تلك النصيحة لا يقابلها كنوز الأرض.
الخلاصة: لماذا لا نبدأ بزخم كبير بالتعاون المشترك مع الطرف السوري الجديد، فمن يظن أن الإدارة الجديدة في سوريا تستطيع إعادة ما دمره النظام المدحور بناءً على ما يجري اليوم في سوريا، فهو واهم إذ أن الأتراك الذين دعموا المقاومة السورية واستمالت القوى المعارضة ضد نظام الأسد، لن تتخلى عن المقصد السوري.
فإذ رأينا الكثير من وزراء الخارجية العرب والأوروبيون والأميركان يؤمون يقدمون أوراق اعتماد للمساعدات الطارئة من كافة الأغذية والمواد النفطية والحياكات وكأنهم في سوق للمشتريات، فإن جولتنا المتأخرة يجب علينا أن نعود لدمشق كي نقيم الأوضاع بين الأردن وسوريا وللوصول إلى تفاهمات على أعلى مستويات التطبيع السريع كي لا يفوتنا قطار المسافرين من كافة الدول، فنحن الأقرب لسوريا.
وزير الخارجية أيمن الصفدي يحسن إدارة الموقف، وما قاله للإدارة الجديدة هناك يجب أن يترجم الأقوال بالأفعال، فغالبية من تقاطروا على دمشق الجديدة من دول عربية، لم تحتضن ذلك العدد من أشقائنا السوريين في الأردن، وما ينقصنا هنا هي المبادرة وفتح آفاق جديدة نستفيد منها من خلال تعاون عالي الكفاءة بين البلدين، لا أن نكون في آخر الركب فهاهم الأتراك بدأوا سريعا في قطف الثمار، بينما نحن توقفنا عند درعا، لإمدادها بالكهرباء وهذا ما يستوجب الاشتباك الدائم مع السلطة الجديدة في سوريا. ــ الراي
Royal430@hotmail.com