سامح المحاريق :الضفة الغربية من المسألة إلى المشكلة.. استراتيجية استباقية مطلوبة!
تتواصل أزمة جسر الملك حسين الذي يربط بين الضفة الغربية والأردن لأيام، ويعاني المغادرون تجاه الضفة الغربية من الزحام الشديد الذي يظهر على الجانب الأردني، بينما يبقى الجانب الإسرائيلي ضمن الوتيرة العادية التي تسمح بها الخدمات القليلة المقدمة من جانبهم، وما لا يعلمه المسافرون أن السبب في الزحام والذي يصل إلى حدود الفوضى ليس متعلقًا بأية حال بالترتيبات على الجانب الأردني، وأن التدفق يحكمه التواصل مع الجسر الإسرائيلي الذي يتجنب التكدسات، ويشكل بهذا السلوك عنق الزجاجة، ويتلقى الأردنيون لومًا مكبوتًا أو معلنًا من?بعض المسافرين الغاضبين، وعلى الأقل عتبًا تجاه ما يتصورونه تأخيرًا من جانبهم.
السلوك الإسرائيلي على الجسور يتمدد ليصبح منهجًا شاملًا في التعامل مع الفلسطينيين ومختلف الدول العربية، فإسرائيل دائمًا دولة صغيرة ومستهدفة، وإذا كانت ثمة مشكلات، يصطنعها الإسرائيليون عادةً، فعلى الجانب الآخر، فلسطينيًا أو أردنيًا أو مصريًا، أن يتحمل التكلفة.
ملف تنقل الفلسطينيين لا يقتصر على دخولهم وخروجهم من الضفة الغربية، ولكنه يمتد للتنقل داخل الضفة الغربية نفسها، فكثيرون يتحدثون عن أن الوصول إلى عمان، على الرغم من الزحام والاضطراب الناتج عن سوء التنسيق المتعمد، يبقى أسهل كثيرًا من التنقل بين مدن الضفة الغربية نفسها، فالتحرك من رام الله إلى بيت لحم البعيدة أقل من ثلاثين كيلومترًا، يستغرق الساعات من الوقت، ويعرض الفلسطينيين إلى احتمالات بين الإهانة على الحواجز إلى ممارسة العنف الجسدي تجاههم.
لم يعد الفلسطينيون موحدين في مواقفهم تجاه ما يحدث، ولا توجد أهداف وطنية يمكن أن يتفقوا عليها، لأن الغاية المعلنة في دولة ذات سيادة لم تعد قائمة عمليًا، دولة لا تمتلك جيشًا ولا قراراً خاصة في كثير من الشؤون ولكنها على الأقل تشكل مكانًا يمكن الفلسطينيين من العيش في أمن مادي، يتقون من خلاله احتمالات العنف القائمة على الدوام، وأمن معنوي، يتمثل في حصولهم على أبسط الخدمات والحقوق مثل التنقل داخل أراضيهم، من غير أن يضطروا للامتنان لنوبة كرم من الجانب الإسرائيلي.
مع العد التنازلي لدخول ترامب للبيت الأبيض يصبح المسح الكامل للوضع الفلسطيني ضروريًا، والأردن ليس بمعزل عن ذلك، وبناء السيناريوهات التي ستتعامل مع الضغوطات المحتملة متوجب حاليًا، لأن العلاقة العضوية مع الضفة الغربية سواء في جانبها السياسي والقانوني أو الاقتصادي قائمة فعليًا، وتحت المعلن من الثوابت التي تمثل سقوفًا للمواقف والتحركات المقبلة، توجد الكثير من العوامل والمعطيات والجزئيات التي تحتاج إلى ترتيبات خاصة، فالأردنيون لا يمكن أن يقفوا بصورة المتلقي السلبي لحرب إبادة بين الأدوات الناعمة والخشنة أصبحت اسر?ئيل تتدارسها تجاه الضفة الغربية وسكانها.
ما زالت السلطة الوطنية تستثمر في بعض البنية البيروقراطية التي تأسست قبل فك الارتباط، وربما يتذكر الجميع اللجوء للأردن في قضية حي الشيخ جراح، والدراية الأردنية بالضفة الغربية استثنائية، ولا يعني ذلك أن يكون الحديث عن دور أردني يجعل الأردن تحضر في المغرم المتوقع بقدر بناء خط مقاومة للمخططات الأميركية – الإسرائيلية المقبلة من خلال بنية خاصة للتنسيق تعتبر نواة تنظيمية لاستيعاب الفوضى المقبلة والتي ستمتد على مدى زمني لأربع سنوات على الأقل، وهو ما يتطلب جهازًا خاصًا أو فريقًا متخصصًا في الأردن، يبقى قائمًا لدعم ?لسلطة الوطنية في الأشهر القادمة، ومتيقظًا للحظة الصفر في حالة الوصول إلى تقويض السلطة واستعادة الإدارة المدنية الإسرائيلية المباشرة، أو الاستحواذ على الضفة من خلال سيناريو تصعيدي يستنسخ التجربة في غزة.
ليس على الأردن أن يقبل بالتهجير لا بالجملة ولا حتى بالتجزئة، أي بنفس استراتيجية إدارة الجسور القائمة، والحلول تتمثل في علاقة مرنة قائمة على الشكل الذي ستؤول له ترتيبات ستستمر لسنوات قادمة في حالة استثمار إسرائيل لأوراقها الراهنة، وأول أي حل هو أن تسمى الضفة بالمشكلة المرشحة للتفاعل، لا أن نظل على نفس الوتيرة القائمة من الدفع بالثوابت القائمة والخيارات المحددة، وبحيث تنفتح الآفاق نحو دسترة كاملة لفك الارتباط تتناسب مع وضع قائم لاتخاذ مواقع قانونية وعملية قابلة للتطبيق بما يحفظ مصالح الأردن، ويسهم في تضييق ا?خيارات أمام الإسرائيليين ويدفعهم لتعديل سقفها من الأساس.
الجسر هو أحد الملفات التي بقيت تستغلها إسرائيل ضد الأردن ويمكن تطبيق ذلك على مناحٍ أخرى مثل ملفات المياه، والخيارات الإسرائيلية مثل افتتاح مطار رامون للمسافرين الفلسطينيين الذي جربته اسرائيل قبل أكثر من عامين لمجرد إلحاق ضرر اقتصادي بالأردن من غير تمكين الفلسطينيين من شيء ذي جدوى في النهاية، جميعها تجعل الأردن مضطرًا للتعامل مع الضفة الغربية كمشكلة بعد سنوات طويلة من بقائها سؤالًا مفتوحًا. ــ الراي