محمد يونس العبادي : خريطة مشحونة بأمراض التاريخ
المتأمل للخريطة التي نشرها حساب إسرائيلي لخريطة يقول إنها تمثل ممالك يهودية في الماضي، يدرك كم هو حجم مرض وعقدة تيار إسرائيلي عريض من ماضيه بداية، وليس من ماضينا نحن كعرب وأردنيين.
وإذا كان الناشر، أو صاحب هذه الفرضية التاريخية، يعتقد بصحة ما نشر، وبتجاوز على الأردن وحاضره السياسي، وبشكل مريب، فعليه تأمل عشرات الخرائط قبل حقبته التاريخية المشار إليها وبعدها، ليدرك أن ما جادت به قريحته لا يساوي شيئا، وبالأساس ما نشره يثبت أنه طارئ على مشهدية المنطقة، قياسا بما مر عليها من حقب وقرون، فما قبله وما بعده هو حاضر صاغه أصحاب الأرض، وهم نحن، وبالأنا الواسعة.
في الدلالات لتوقيت النشر، فهو يأتي في لحظة حاسمة من تاريخ منطقتنا، تنتهك فيها إسرائيل كل الثوابت، وتظن أنها تصوغ لنفسها الأمان، رغم أن طريق نتنياهو الحالي، وزمرته لن يوصلها لأي مكان سوى مزيد من الغرق.
بالنسبة لنا كأردنيين، فمن يريد أن يجربنا، سيدرك أننا ومنذ أجيال مضت، صنا هذه الارض، بالدم، وبالأرواح.. فهذا البلد فيه قبور أجدادنا، وهذا التراب نراه في كل دورة تاريخيّة أقدس ما يصان.
وإذا ما كانت هذه الخريطة تعبيرا عن أطماع صهيونية مريضة، فبئس التعبير، فالأردني لا يجرب في وطنه، وأرضه، ولا تختبر قيمه بالانتماء ولا بالوفاء لقيادته، ففينا من المخلصين مددا.
فيما مضى، وكتعبير عن هذا التيار المتطرف المريض رفع وزراء متطرفون من أمثال سموتريتش هكذا خرائط، لأهداف نعلمها تخدم عقدهم، وتوسع من حجم عمقهم بين مريديهم.
ولكن، هذا الحديث بالنسبة لنا، نعلم مكامن النقص فيه، وهو تعبير عن ضعف حيال الحق، وصيغة لا تستوي مع ما نطرحه اليوم من مقاربات تنشد العدالة في منطقتنا.
وكما الأردن سيد على أرضه، فنحن في هذا البلد نرى كل عربي كذلك سيد على أرضه، ما بقي عربي واحد على هذه البسيطة.
وما يظنه المتطرفون على أنه طموحات، نراه أوهام لن ينالوها، ولا مكان لها إلا في أذهانهم.
ودروس الماضي، والحاضر أيضا، فيها أبلغ تعبير ورد على هذه الترهات، فمهما بدا المشهد متفقا مع هؤلاء المرضى ممن نشروا خريطة مشحونة بأمراض التاريخ، فالواقع مختلف.. فنحن في بلد كما يقول العزيز في كتابه «زيتونة لا شرقية ولا غربية"؛ فكلنا سواء، نحمي بسواعدنا هذا البلد ليبقى عزيزا كريما، ولو كره المشحونون والموتورون، أو ظنوا أن الحقائق تجري على هدي أضغاث أحلامهم. ــ الراي