جميل النمري يكتب: مخاطر الأجندة التركية في سوريا!
تصريحات اردوغان تجاه الأكراد عدوانية جدا ومخيفة!! ينذرهم بأن يسلموا أسلحتهم او سيدفنون هم وسلاحهم. ويعلن صراحة نية القضاء على قسد (قوات سوريا الديمقراطية) وان تركيا لن تسمح بوجود تهديد مسلح على حدودها. وبالتزامن تتجدد المواجهات المسلحة والهجمات من ميليشيات تابعة لتركيا على المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية.
لماذا تستعجل تركيا وتستبق الحوار والتفاهمات الداخلية السورية التي تشمل الأكراد وهي بالضرورة ستؤدي الى حلّ جميع الميليشيات وانضمامها الى جيش سوري نظامي يخضع لسلطة الدولة والحكومة؟ ولماذا تضغط وتطلب من الشرع ان يباشر نزع سلاح الأكراد وهو ما يعني فتح حرب بين قوات هيئة تحرير الشام وقسد!! ذريعة تركيا ان جزءا من قوات حماية الشعب الكردي هي نفسها قوات حزب العمال الكردستاني المعارض في تركيا. وبإفتراض صحة ذلك فإن الطريق السليم هو ايضا انتظار العملية السياسية السورية التي لن تسمح بوجود سلاح أو مسلحين خارج سلطة الدولة ناهيك عن مسلحين من غير الجنسية السورية. ما تفعله تركيا خطير جدا ويفتح ابواب الجحيم على الثورة السورية والأكراد جزء منها.
تركيا التي مشت حتى الأمس في مشروع معقول وناجح ادى بسرعة مذهلة لإزاحة حكم الأسد لماذا تنقلب الآن الى مشروع دموي يدمر النجاحات العظيمة؟! لقد تم انجاز عمل يخالط الأحلام بإزاحة النظام الأكثر دموية ووحشية دون اراقة دماء تقريبا والفضل الكبير هو في استنكاف قطاعات الجيش السوري عن القتال وبالمقابل كبت الفصائل بقيادة الشرع لشهوة الانتقام او استباحة المدن والقرى. وفرح الشعب السوري بالتعامل الإنساني والنظامي المنضبط من القوات القادمة فأستقبلها استقبال المحررين مرددا شعارات سوريا حرة والشعب السوري واحد. والسوريون يعنون تماما هذا الشعار الذي يشمل الجميع سنة وعلويين ودروز و مسيحيين وكذلك الأكراد.
اعتقد ان الأطراف العربية والدولية وخصوصا الموقعة على اعلان العقبة يجب ان تتحرك معا بكل حزم وسرعة لثني تركيا عن هذا التخريب الخطير الذي يعيد زجّ سوريا في حرب اهلية ووضع اجزاء منها تحت الوصاية التركية.
يثير الخوف أن الأجندة التركية هي سحق اي طرف سوري قد يشكّل قوّة مناوئة للهيمنة التركية ويعرقل تبعية السلطة السياسية في دمشق لأنقرة. واليوم عسكريا يوجد قوّتين خارج الهيمنة التركية بعض فصائل الجنوب وهي قليلة العدد والعدّة وقسد في الشرق والشمال وهي القوّة المعتبرة الرئيسية التي لا يمكن تجاوزها في العملية السياسية الداخلية. وباعتقادي ان هذه هي القضية أكثرمن المخاوف الأمنية التركي التي يمكن معالجتها في العملية السياسية الداخلية وبغطاء وضمانات اقليمية. ثم ان هناك حوارا جديدا فتحته أنقرة مع أكراد تركيا لحل الصراع المزمن وهي تعرف ان مشكلة الأكراد مهما طال الزمن سيكون حلها سياسيا وليس أمنيا وفي داخل تركيا وليس في سوريا.
اذا ذهبت تركيا لخيار فرض طرف وحيد تابع لها في السلطة داخل سوريا فهي تعيد الصراع الى المربع الأول. سيجد كل طرف اتباع له يحملون السلاح في مواجه السلطة القائمة وستعود هذه السلطة لتعبئة المكون الطائفي الذي تستند اليه في مواجهة الآخرين وحتى قاعدة النظام القديم ستظهر مجددا للدفاع عن المكون الطائفي الذي سيلتف حولها بعد ان كان قد رحب بسقوط السلطة الغاشمة الفاسدة لنظام الأسد.
على القوى العربية والدولية التدخل بالضغط القوي على تركيا للتعقل ووقف الحرب على الأكراد بل والضغط ايضا على الشرع للتفاهم مع الأكراد وترك اي نوايا للتفرد بالسلطة والتفرد في رسم مستقبل سوريا وهو ما تشي به آخر التصريحات المتعلقة بالدستور والانتخابات التي يتوقع الشرع ان تحضيرها يحتاج اربع سنوات وهو ما يعني ادامة السلطة المنفردة بدون تفويض لأربع سنوات ! والأمل الآن معلق على مشروع المؤتمر الوطني الذي يفترض ان يؤسس لمشاركة الجميع في " المرحلة الانتقالية " وفي رسم شكل النظام السياسي القادم. لكن حتى هنا فالتصريحات غامضة حول طبيعة هذا المؤتمر ودوره وصلاحياته. ومثل كل تصريحاته من اول يوم، تبعث على التفاؤل لجهة حياديتها الأيدلوجية والسياسية وابتعادها الكامل عن أي مفردات من قاموس السلفية الجهادية او حتى الدينية والطائفية وتبعث على القلق اذ تتحدث بإسم سلطة قائمة منفردة لا تتتشارك ولا تتشاور مع احد. والمشكلة ليست شخص الشرع الذي يبدو براغماتيا جدا بعيدا عن اي اوهام واحلام ايدلوجية لكن لا نستطيع ان ننسى ان تنظيمه الذي يستأثر بالسلطة الآن وكل المناصب هو نفسه ذاك الذي تأسس على مفاهيم وثقافة وممارسة السلفية الجهادية فهل سيعمل الآن بمفاهيم الدولة المدنية الديمقراطية؟!
في آخر لقاء ( مع قناة العربية) اعترف الشرع بالتفرد وبرره بالضرورات العملية لإدارة الدولة والمؤسسات للفترة القصيرة الحالية. والشرع اليوم يستقبل الوفود بالبدلة وربطة العنق ويسير معهم على السجاد الأحمر في القصر الرئاسي ويتحدث بتواضع وبمسؤولية كرجل دولة.
ويعلن كل وفد خارجي يقابله عن ايجابية اللقاء والحوار لكن لا احد يقول انه سمع اجابة محددة عن المستقبل ونشير خصوصا الى اعلان العقبة الذي اعلن الالتزام بوحدة وحرية واستقلال سوريا في ظل نظام ديمقراطي يصنعه السوريون بأنفسهم ولأنفسهم وبمشاركة كل مكوناتهم.
وتركيا من الدول الموقعة على اعلان العقبة ومطالبة بالالتزام به. والخشية أن المصالح والمكاسب التي حققتها في سوريا اليوم لا تريد خسارتها غدا في دولة وطنية ديمقراطية ينبع قرارها من مصالحها الوطنية وفي اطار تموضعها الطبيعي في قلب المشرق العربي.