د. عدنان مساعدة : وصفي ما زالت وستبقى ذكراه تنبض بالحياة
وكان الثامن والعشرون من تشرين الثاني عام 1971 صدمة كبيرة لرحيل رجل دولة بحجم وصفي التل شهيد الوطن والأمة الذي إمتدت إليه يد الغدر والتآمر الجبانة واغتالت جنديا مقداما وقائدا وزعيما مهابا وصلبا ومخلصا مارس الانتماء الحقيقي لوطنه وأمته نهجا وواقعا، وكرّس معاني الإنتماء كرجل دولة شجاع، وكان الفارس الأصيل الذي ما توانى يوما عن واجب حيث آمن بأن الجندية شرف لا يدانيه شرف.
لقد نال وصفي ثقة رفيق دربه الملك الانسان الحسين بن طلال طيب الله ثراه الذي عرف معدن الرجال الرجال الذين يؤمنون عملا وقولا بالثوابت الوطنية ومقومات الدولة الأردنية الراسخة، فنعاه بقوله مخاطبا الأردنيين» « لقد كتب الله عليّ أن أرى اكثر من أبٍ واكثر من أخٍ وأكثر من صديقٍ وأكثر من رفيقٍ يسقطون على طريقٍ اخترناها ووجدنا السير عليها أشرف وأنبل وأكرم وأبقى حتى من الحياة، عليها سار من سبقنا وعليها مضى ... لقد عاش وصفي جنديا منذورا لخدمة بلده وأمته وقضى كجندي باسل فيما هو ماض بالكفاح من أجلهما وفي سبيلهما برجولة وشرف»
كنت حينها في العاشرة من عمري في قريتي الوادعة ودوّى نبأ استشهاده كالصاعقة على امتداد الوطن من أقصاه إلى أقصاه الذي أحب وصفي رجل الدولة المسؤول والمنتمي الصادق.... كان الخبر مؤلما ومفجعا لكل الأردنيين لأن نهج عمل وصفي كان رمزا للاخلاص والتفاني حيث آمن بأن بناء الانسان فكرا وتعليما وثقافة وانتماء هو المحور الأساس الذي بنهض بالوطن وهو الذي يقود الى العطاء والانتاج الذي يحقق الاعتماد على الذات والسيادة الحقيقية.
نعم، كان وصفي رجل الدولة الشجاع قوي الحجة والبيان ولم يهادن باطلا ويضع الأمور بمكانها الصحيح وبكل بوضوح، فلا مجال للمجاملة على حساب الوطن فهو في نظره يعتبر جريمة ولا مجال للخطأ او التقصير بالقضايا التي تتعلق بالشأن الوطني. كيف لا؟ وهو الذي حمل معول البناء والعمل وتحقيق المنجزات الوطنية في كل المجالات، وأولى الزراعة جلّ الاهتمام فعشق الأرض وكان منتميا للمكان والزمان، مؤمنا بأن خدمة هذه الأرض والاهتمام بالزراعة والإنتاج تحقق السيادة الوطنية وتحفظ كرامة الانسان، وحمل القلم والفكر فكان السياسي والمفكر والمعلم ورجل الدولة الملتزم بالضمير المؤسسي المسؤول متابعا كل صغيرة وكبيرة بكل جرأة وشجاعة وكان يحمل مشروع نهضة وفكر، كما يحمل وعيا وطنيا وقوميا تجاوز كل الحدود ضمن رؤية واضحة لا ضبابية فيها أو إنحراف.
أي وصفي، ستبقى مدرستك ونهجك نبراسا مضيئا في قلوب الأردنيين وعلى امتداد هذه الأرض بتضاريسها وجبالها وتلالها وسهولها وزيتونها وشيحها وقيصومها التي بادلتك العشق الأيدي، واحتضنتك هذه الأرض المباركة برفق وضمك ترابها شهيدا خالدا في ذاكرة الوطن الذي مضيت معه بصدق الرجال الرجال وقضيت من أجله وأنت وضّاء الجبين ومرفوع الرأس كشموخ جبال عمّان و الشراة وعجلون ومرتفعات السلط وتلال اربد.
وكما أحب الأردن وحمله في عقله وقلبه، فقد كان عربيا وقوميا منحازا لقضايأ أمته حيث يصف الأستاذ عدنان ابو عودة ورئيس الديوان الملكي الأسبق والمفكر البارز ووزير الاعلام في حكومة الشهيد وصفي التل خلال اشهار كتابه «يوميات عدنان ابوعودة 1970-1988» يصف وصفي التل بقوله» عرفته بالعمق كرجل دولة شريف ومثقف صاحب فكر استراتيجي، وكان بالنسبة لي الأكثر فهما للصهيونية وسياساتها وأساليبها من أي مسؤول عربي آخر عرفته، ومن أجل ذلك رأيت فيه أكبر صديق للقضية الفلسطينية»
رحمك الله أيها الفارس الأردني الأبي والجواد العربي الأصيل حيث عشت حرا أبيا مخلصا ورحلت بطلا مغوارا لا يهاب الردى في سبيل نهج أمنت به لتنهض بوطنك وقضايا أمتك. رحمك الله أيها المتيّم بحب هذه الأرض التي قدّمت حياتك ودمك الطاهر لتقول للأجيال وتعلمهم أن تراب الوطن غال وراياته تعانق السماء... وستظل قطرات دمك الطاهر نبراسا لكل المخلصين وقصة ترويها الأجيال لوطن يستحق التضحية تفديه أرواحنا ودماؤنا وتبذل رخيصة من أجله ليبقى سيد الأوطان في كل زمان عين الله تحرسه وتحميه زنود الرجال الأوفياء الصادقين الذين عاهدوا الله ما عليه وما بدلوا تبديلا. ــ الدستور