أ. د. محمد عبده حتاملة : آراء واتجاهات في حقل التاريخ .. عصر التنوير
في عصر التنوير ظهر اتجاه جديد، مفاده أن حقل التاريخ مفيد لفهم فعاليات البشر دون أن يتحكم فينا، وظهرت النزعة العقلية وسادت فكرة التطور والتقدم البشري، ولما قامت الثورة الفرنسية، أعلنت انتصار العقل البشري، وبشرت بإقامة مجتمع جديد، لكن تيار الرومانتيكية ظهر بعد الثورة الفرنسية بسبب خيبة الآمال فيما حققته الثورة.
ولما حصل التقدم العلمي، ورافقه التأكيد على قوانين الطبيعة برز الاتجاه إلى ربط التاريخ بالعلم، وقامت المدرسة الإيجابية في القرن التاسع عشر، وحاولت أن تجد للتاريخ ومن التاريخ قوانين لتطور المجتمعات ونماذج لهذا التطور، فأكد «هيجل» فمرة العقل الفعال، وأعلن أن البشرية تسير نحو عصر ذهبي، وأن الفكرة أو العقل وراء تطور التاريخ.
ومن هذه الفرضيات تحولت الفكرة التي تسيّر التاريخ عند «هيجل» إلى تبديل طرق الإنتاج وتغيير ملكية وسائل الإنتاج، وما يحدثه ذلك من علائق جديدة تكمن وراء حوادث التاريخ. ولئن رأى «هيجل» في التاريخ مجالاً لتبرير فلسفته فإن «ماركس» رأى في التاريخ وسيلة لإحداث ثورة في صالح الطبقة العاملة. وهكذا ظهر اتجاه نحو تفسير التاريخ في أطر من القوانين والمراحل، ولعل آخر من حاول التعبير عن هذا الاتجاه هو المؤرخ «أرنولد توينبي» في كتابه: دراسة في التاريخ.
وقد لاقى هذا الاتجاه ردود فعل من بعض المؤرخين، فهم لا يستطيعون أن يهملوا دور المجهول في التاريخ، أو أن يغفلوا التعقيد في الظروف واختلاف الإمكانات، فراحوا ينشدون التوازن بين الفرد والمجتمع، وبين الظروف وإمكانيات الإبداع في التاريخ.
ومع أن بعض النظريات تفوقت وشاعت، إلا أن التباين في وجهات النظر واختلاف الآراء، ظل ظاهراً، وقد تباين الرأي بين من يأخذ بفكرة أساسية في تفسير التاريخ، كفكرة الحرية أو العقل المسيطر، وبين من لا يرى ذلك ولا يريد غير الاستقراء.
ولئن كانت هذه الآراء والتحليلات قد قامت في إطار سير التاريخ الغربي، فإن تطورات حديثة خارج أوروبا أثرت بدورها في فهم التاريخ، ومن ذلك الحركات الاستقلالية والتحررية خاصة في آسيا وأفريقيا.
وقد أدخلت هذه الحركات والتحولات عاملاً جديدا في فهم التاريخ عند الغربيين، إذ جعلهم يعيدون النظر في فكرة كانت ملازمة لهم وهي أن التاريخ العالمي إن هو إلا التاريخ الغربي، وأن خبرات البشرية انتهت إليه، وأن التاريخ الغربي منطلق التاريخ ونهايته.
غير أن بعض المؤرخين قدروا أن النظر إلى التاريخ على أنه التاريخ الغربي نظر خاطئ، وأن هناك نظرات للتاريخ غير النظرة الغربية، بل إن فهم تاريخ أي أمة يبدأ من نطاق تجربتها التاريخية ولدى أبنائها.
وبعد هذا الاسترسال في طرح النظريات والأفكار والآراء، فإننا نتساءل عن نظرتنا إلى تاريخنا وعن صلة هذه النظرة بالحاضر. ــ الدستور