بشار جرار : زيّ الترليونات!
عجيب هذا الخيال خاصة لدى من هو كحالي عاشق مشتاق. ما الذي يجمع آلون ماسك بمدحت صالح، بعد مناجاة صباح خريفي في واشنطن، وقبل ارتشاف فنجان القهوة العمّانية بهيلها الأردني الحاضر مرة كل عام، على الأقل؟
تصفحت أخبار البلاد عبر وسائل التواصل، من بعد الاطمئنان على الأهل عبر مجموعة خاصة بالأسرة عبر «الواتس»، ليطالعني منشور على «اكس» لصاحبها ماسك ومن حسابه الشخصي، يذكرني كدافع ضرائب أمريكي بأن الديْن المترتب عليّ حتى قبل أربعة أشهر من انتخابات الخامس من نوفمبر الجاري هو نحو مئة وأربعة آلاف دولار!
يحذّر ماسك -المتطوع لرئاسة مشتركة مجانية مع فِفِكْ رامسوامي لترشيد المال العام وترشيق القطاع العمومي فيما يعرف اختصارا ب «دوج» (بواو ممدودة) وزارة الكفاءة الحكومية- يحذّر بشيء من الوعيد لا الوعد فقط، من أن الضرائب لن تكفي بعد ذلك لسداد الدين العام الأمريكي البالغ حتى الثامن والعشرين من يوليو الماضي خمسة وثلاثين تريليون دولار ما لبثت أن زادت تريليونا بعد مائة يوم الأمر الذي يعني هدر ربع العائدات الضريبية فقط على سداد فائدة الديْن..
الآن، ما الذي عزف في رأسي «على الصّبح» لحن أغنية الثنائي المصري الرائع مدحت صالح وشريف منير و»انا معايا بعيش زي المليونيرات»؟ أظنها لا تخفى على أحد! الحكاية هي هي أن بعض المنفصلين عن الواقع في أحلامهم وأحيانا أوهامهم يظنون رب الأسرة أو العمل أو الوزارة أو الحكومة «قاعد على كنز لا ينضب»ّ! كثير من مظاهر العيش في حياتنا الخاصة والعامة لا تظهر وعيا لا فرديا ولا جمعيا بمدى خطورة الدين العام. ليت الحس الديني والوطني الذي نسمع عنه في مختلف مظاهر حياتنا يعكس شيئا من العمل بتعاليم رسالات السماء فيما يخص أمانة التعامل مع المال، خاصا كان أم عامّا، وعلى وجه الخصوص إن كان ذلك المال من قوت أحفادنا وربما أحفادهم أيضا.
لا يعقل أن يصر البعض ويكابر على العيش كأصحاب الملايين والمليارات والترليونات. العباءة المناسبة على قدر حجم الكتفين لا القامة فقط. الكل كبير وتزهو به المناصب لكن العبرة في كيف يتركها للخلف بأحسن حال مما استلمها -أمانة- من السلف.
خطاب سيدنا -ربنا يرعاه وينصره- في افتتاح البرلمان زاخر بالرسائل جميعها لو دققنا النظر وأمعنّا نظرا بعيون فلذات أكبادنا لعرفنا أن عماد السيادة والاستقلال والتقدم والنصر هو الاعتماد على الذات، ولذلك أبواب كثيرة بعضها مشرعة وبعضها الآخر بانتظار من يدقها أو يبادر إلى فتحها، بعد الاستئذان طبعا.
إن سمح المقام من على هذا المنبر الكريم، سأعرض لاحقا لبعض التجارب الأمريكية من القطاعين الخاص والعام (العمومي) التي قد تفتح مجالا للنظر في بعض المبادرات البسيطة لكنها الكبيرة تراكميا، والتي لا تحتاج لأكثر من نية وعزم، ونحن لها بعون الله في أردن العزم.. قد تكون البداية في المصارحة فالمصالحة مع الذات. الديْن لا ينبغي أن يكون موضع تفاخر ولا شهادة على أي كان بالكرم أو «نظافة اليد»، كما المال وخاصة «الكاش» ليس «وسخ الدنيا» كما روّج بعض الحكواتية أو «الاعتذاريين» في بعض المسلسلات الموسمية! ــ الدستور