أ. د. ليث كمال نصراوين : أدوا التحية للعلم
اعتاد جلالة الملك في خطابات العرش التي يلقيها في افتتاح الدورات البرلمانية لمجلس الأمة أن يخاطب نشامى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بأبهى العبارات، وأن يطلق عليهم أجمل الأوصاف كحماة الحمى والمسيرة، وأصحاب الرايات العالية والجباه المرفوعة.
فقد سبق لجلالته أن وصفهم بأنهم «الأصدق قولا والأخلص عملا»، وها هو اليوم في خطابه الأخير لافتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة قد خاطب جميع الحاضرين من ممثلي السلطات الثلاث في الدولة وكبار المسؤولين فيها قائلا «هؤلاء هم أبناؤكم وبناتكم، أدوا التحية للعلم ولبوا الواجب».
إن استحضار جلالة الملك للعلم وللتحية العسكرية التي تُؤدى له تحمل دلائل سياسية وقانونية عديدة أهمها أن الأردن دولة ذات سيادة ولعلمها رمزية عالية ترتبط بهويتها الوطنية الجامعة، وبأنه من الضروري في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها الدولة الأردنية تعزيز الانتماء والولاء لهذا العلم الذي يجمع تحت طياته كافة الأردنيين من شتى الأصول والمنابت.
أما من ناحية تشريعية، فقد حرص المشرع الأردني على إعلاء مكانة العلم الأردني على الصعيدين الدستوري والقانوني، فقد جرى تخصيص المادة (4) من الدستور للحديث بشكل مفصل عن الراية الأردنية من حيث شكلها ومقاييسها وتقسيماتها الأفقية.
كما صدر لهذه الغاية قانون خاص هو قانون الأعلام الأردنية رقم (6) لسنة 2004 وتعديلاته الذي تضمن مجموعة من الأحكام الناظمة لاستعمال العلم الأردني من حيث تحديد الأماكن التي يجب رفعه عليها، والتي تشمل المباني الحكومية والرسمية ومراكز الحدود والجمارك والمطارات وسفن الملاحة والقطع البحرية الأردنية في أعالي البحار، بالإضافة إلى الترتيبات المتعلقة باستخدام العلم الأردني في مراسم الجنازات الخاصة.
ومن مظاهر الحماية القانونية للعلم الأردني أن المادة (11) من القانون قد حظرت استعماله كعلامة تجارية أو بقصد الإعلان والدعاية، وبأنه لا يجوز رفع العلم الأردني إذا كان باليا أو ممزقا أو أصبحت حالته لا تتلاءم مع مكانته، أو أن يتم رفع أعلام المؤسسات الخاصة دون رفع العلم الأردني بجانبها ويعلو عليها.
فعلى الرغم من جسامة هذه التصرفات الجرمية وتأثيرها على الهوية الأردنية، إلا أن القانون النافذ قد فرض عقوبات مالية بسيطة على مرتكب هذه الأفعال تتمثل بغرامة مالية لا تقل عن (50) دينارا ولا تزيد على (250) دينارا.
كما اشترط القانون أن يتم رفع العلم الأردني على جميع مباني السفارات والقنصليات الأردنية وعلى منازل وسيارات السفراء أو القائمين بالأعمال والقناصل الأردنيين في الخارج وذلك مع مراعاة العرف الدولي وقواعد المجاملة بين الدول. كما حظر القانون رفع أي أعلام أجنبية على غير المباني الخاصة بالسفارات والقنصليات والممثليات السياسية الأجنبية المعتمدة لهذه الدول في المملكة وعلى المباني الخاصة بالأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الدولية أو الإقليمية إلا في الأعياد والمناسبات الرسمية، على أن يكون العلم الأجنبي مصحوبا بالعلم الأردني ومتناسبا معه في المقاييس.
أما الجرائم التي تمس العلم الأردني، فقد عاقب القانون كل من مزّق أو حقّر أو أقدم بأي وسيلة كانت وبأي صورة من الصور، قولا أو فعلا، بقصد الإساءة الى العلم الأردني من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على ثلاثة آلاف دينار. كما يعاقب القانون كل من يرفع أو يستعمل علما أجنبيا دون إذن رسمي مسبق من الحاكم الإداري بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر أو بغرامة لا تقل عن مائتين وخمسين دينارا ولا تزيد على ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين.
ويمتد نطاق الحماية القانونية للعلم في الأردن ليشمل إلى جانب الراية الأردنية الأعلام الخاصة بجلالة الملك وسمو ولي العهد، حيث تنص المادة (3) من قانون الأعلام الأردنية على أن يتم تحديد شكل ومقاييس ومواصفات هذين العلمين بارادة ملكية سامية، حيث صدرت في عام 2023 إرادة ملكية تتضمن تحديد شكل ومواصفات العلم الخاص بسمو ولي العهد.
إن النهج التشريعي القائم على اشتراط إنشاء علم الملك وولي عهده بإرادة ملكية سامية وليس بقانون، يأتي تعزيزا لرمزية هذين العلمين، وتماشيا مع موقف المشرع الدستوري الذي عَمِد إلى تحديد علم المملكة الأردنية الهاشمية بنص صريح في الدستور، ولم يتركه إلى القانون العادي لإنشائه.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
ــ الراي
laith@lawyer.com