أ. د. اسلام مساذ : رؤيـة ملك وإيمان شعب
ما ورد في خطاب العرش السامي الذي افتتح به جلالة الملك عبدالله الثاني أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة العشرين يوم أول من أمس، كان بمثابة حقائق تشكلّ في مجموعها خارطة طريق وانطلاقة جادة تترجم رؤية الملك الشاملة لما هو قادم على طريق المضي في استكمال مسيرة البناء والتحديث لخدمة الأردن والأردنيين، على الرغم من الظروف الاستثنائية الصعبة التي تمرُّ بها المنطقة العربية فإن ثقة جلالة الملك تعطي دافعًا قويًا للمضي قُدمًا في تنفيذ رؤية التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي باعتبار أن الأردن كان دائما يجتاز الشدائد والمحن، ويحقق الإنجازات العظيمة وبأقل الموارد والإمكانيات، وعليه فإن ثقة الملك لتؤكد أن الأردنيين قادرون على تجنيد كل الطاقات للعمل والبناء والإنتاج، وهم واثقون برؤية مليكهم ومؤمنون بأن الوطن بحاجة إلى جهد جميع أبنائه وجميع مؤسساته الوطنية من أجل بناء الأردن النموذج في تجربته وتلاحم قيادته مع شعبه بصورة عزّ نظيرها.
جملة من الثوابت التي كان الملك واضحًا فيها بل ومُصرًّا على مواصلة العمل عبر القيام بجهود مكثفة نبني فيها على مواطن قوتنا، وتعالج كل نقاط الضعف في التخطيط والتنفيذ. مما يحتمُ بالضرورة رفع سوية الأداء في مختلف القطاعات، وتوفير فرص العمل لكل الأردنيين وعلى الأخص فئة الشباب منهم، وبحسب رؤية جلالته فإن ضمان تحقيق ذلك يتطلب وضع الخطط والبرامج لدعم القطاعات الواعدة لينعكس تحفيزها ودعمها إيجابيا على الأداء الكلي لاقتصادنا الوطني، كقطاعات السياحة والزراعة، والتكنولوجيا المتقدمة، والطاقة المتجددة، وبذل كل ما هو ممكن لتطوير القطاع الطبي، ليعود الأردن وجهة رئيسة للسياحة العلاجية في منطقتنا، وأقتبسُ في هذا الصدد قول جلالته في رسالته إلى أبناء شعبه في كانون الثاني للعام ألفين واثنين وعشرين (نريده مستقبلا نستعيد فيه صدارتنا في التعليم، وننهض فيه باقتصادنا، وتزداد فيه قدرات قطاعنا العام وفاعليته، ويزدهر فيه قطاعنا الخاص، فتزداد الفرص على مستوى متكافئ، ونواجه الفقر والبطالة بكل عزم، ونحد من عدم المساواة، وينطلق شبابنا في آفاق الريادة والابتكار).
إلى ذلك كان جليًّا في خطاب الملك تطلعاته الواثقة التي من خلالها أعاد الكرة إلى ملعب مجلس الأمة والحكومة معًا، ومن هنا كانت مطالبة جلالته للتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لأن يكون تعاونًا مثمرًا للنهوض بالواجب بشرف وأمانة وإخلاص وشجاعة، وبروح الإيثار ونكران الذات والاستجابة للتحديات التي تمر بها الدولة ذلك أن هذا التعاون إنما يمثل الركيزة والأرضية الراسخة لبناء أردن عزيز قويّ بمجموع طاقات شعبه وقدراته، فالجميع شركاء في تحمل المسؤولية، ولا بد من العمل يدًا بيد، وبروح الفريق الواحد، الذي يضع مصلحة الوطن، فوق كل المصالح والاعتبارات.
خطاب الملك هذا هو الثاني الذي يلقيه جلالته في ظل حرب ضارية يشهدها قطاع غزة، وإذا كانت هناك ثمّة قواسم مشتركة بين الخطابين في العامين ثلاثة وعشرين وأربعة وعشرين، فإن فلسطين وغزة والتأكيد على مواصلة الأردن في تقديم كافة أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والإنساني وإلى أن يتمكن الفلسطينيون من استعادة حقوقهم وبناء دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، كان على الدوام هو الهاجس الأكبر في حِلِّ وترحال جلالته الذي سيبقى متمسكًا في صيانة ورعاية المقدسات استنادًا إلى الوصاية الهاشمية، فضلًا عن الدور المشهود له عالميًا في بذل كل جهد ممكن من أجل رفع الظلم الذي تتعرض له غزة منذ أكثر من عام، وفي ذلك نقرأ قول جلالته (لقد قدم الأردن جهودا جبارة ووقف أبناؤه وبناته بكل ضمير يعالجون الجرحى في أصعب الظروف. وكان الأردنيون أول من أوصلوا المساعدات جوا وبرا إلى الأهل في غزة، وسنبقى معهم، حاضرا ومستقبلا).
ومما لا بد من التوقف عنده إيمان جلالة الملك بأن وحدتنا الوطنية ركيزة أساسية، يقوم عليها بنيان المجتمع الأردني، وهي بالنسبة لجلالته كما قال في غير مرّة، خط أحمر، لا ينبغي لأحد تجاوزه، أو العبث به، ولطالما عبّر جلالته باستمرار عن تطلعه إلى أن يرى جبهتنا الداخلية، متماسكة قوية، تسود بين أفرادها روح المحبة والإخاء، والحرص على المصلحة الوطنية العليا، وأساس ذلك تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع، فالمواطنون أمام الدستور سواء، والتعددية بكافة أشكالها ينبغي أن تكون عامل قوة وإثراء للمسيرة، لا عامل ضعف، فالانتماء للأردن والالتزام بدستوره، هو معيار المواطنة الحقيقية، ومسيرة الوطن تحتاج اليوم إلى جهد مخلص، وعمل دؤوب، وعزيمة ماضية، وتعاون مثمر، بين أبناء أسرتنا الأردنية الواحدة، لنبني جميعاً مستقبل الأجيال، في وطن آمن مستقر ومزدهر.
رئيس جامعة اليرموك
ــ الراي