الأخبار

د. محمد رسول الطراونة : كبسونات أسود وأحمر أتعرفونها

د. محمد رسول الطراونة : كبسونات أسود وأحمر أتعرفونها
أخبارنا :  

«كبسونات أسود أحمر» هي الطلب الشائع للكثير من المترددين على المراكز الصحية وخاصة الحجات المبجلات في قرانا الاردنية عند زيارة الطبيب يقصد بها » كبسولات » وهي ما تطلق عموما على المضادات الحيوية الاكثر شيوعا واستخداما، وأي نوع اخر من الكبسونات حتى لو كان لونها زهري فاقع لن ينفع ولن يغير من قناعة الحجة. كان ذلك في صباح يوم شتوي من أوائل أيام عملي في أحد مراكز وزارة الصحة في إحدى قرى جنوبنا الطيب عندما أحضرت لي حجية رغيف خبز طابون ساخن و» مقحمش» الذي لم اتردد في قبوله لمنظره الشهي ورائحته الزكية، فاحت منه ذكريات طابون الوالدة–رحمها الله – و بعد ان شكرتها على هذه العطية الطيبة سالتها أوامرك يا حجه، مما تشتكين؟ فكانت اجابتها سلامتك يا بني جيت اوخذ كبسونات أسود وأحمر ولم اكن أعرف انذاك أن هذا هو لون المضاد الحيوي كبسولات (اموكسيسيلين 500 مغم) وكنت قد اعتقدت للوهلة الاولى ان الحجية قد أخطأت المكان فبدلا من ان تذهب الى البقالة المجاورة للمركز دخلت هنا بالخطأ، فتابعت معها إن كانت تقصد ملبس حامض حلو فهو يباع في البقالة المجاورة وأخبرتها ساذهب واحضره لك لكنها اصرت على ما أعتادت عليه مؤكدة انها تأخذ (الكبسونات) من هنا لعلاج التهابات الحلق واحيانا لوجع المفاصل والركبة ولجارتها ام محمود لتعيد لها قرضة (الكبسونات) منذ اسابيع وتطلب زيادة الكمية لتوزيعها على افراد العائلة خاصة في فصل الشتاء، كان هذا الحوار قبل ثلاثة عقود ونيف وقد كان من يوميات طبيب في الارياف، لم يتغير الحال بالرغم من تغير البشر فما زال التعامل مع المضادات الحيوية على انها كبسونات توزع كما يوزع (الملبس) في الاعراس، فما زالت هذه الجريمة تحدث يوميا في المستشفيات والمراكز الصحية والصيديليات وفي المنازل بمسميات مختلفة، اسوق هذه المقدمة المؤسفة في سياق حديثي عن سوء إستخدام المضادات الحيوية وذلك في إطار الاحتفالات بالاسبوع العالمي لمقاومة المضادات الحيوية حيث تكرس الجهود لرفع مستوى الوعي بمضادات الميكروبات وتشجيع الممارسين الصحيين في مواقعهم والمسؤولين عن وضع السياسات على تبني أفضل الممارسات لتجنب استمرار ظهور حالات العدوى المقاومة للأدوية و زيادة وعي المجتمع بهذة الظاهرة بشكل أفضل من خلال التواصل والتثقيف والتعليم والتدريب الفعال.

اتدرون بأن مقاومة مضادات الميكروبات التي تتزايد باستمرار تهدد فاعلية الوقاية من حالات العدوى وتزيد من صعوبة علاجها، كما يتعرض نجاح العمليات الجراحية الرئيسة، والمعالجة الكيميائية للسرطان، للخطر دون توفر مضادات حيوية فاعلة.

اتدرون أن تكاليف الرعاية الصحية المقدمة للمرضى المصابين بحالات عدوى مقاومة تزيد على تكاليف رعاية المرضى المصابين بحالات عدوى غير مقاومة؛ بسبب استغراق المرض مدة أطول، وإجراء اختبارات إضافية، واستخدام أدوية أكثر كلفة.

أتدرون أن بعض المضادات الحيوية المستخدمة بوصفها علاجات أساسية لحالات العدوى البكتيرية في الاردن صارت لا تؤدي وظيفتها الآن كما ينبغي ولا تنجح تمامًا في التصدي لبعض أنواع البكتيريا وعندما لا ينجح مضاد حيوي في التصدي لبكتيريا معينة، نقول عنها بكتيريا مقاوِمة للمضادات الحيوية والتي صارت إحدى أكثر المشكلات إلحاحًا على مستوى العالم لا بل واحدة من التهديدات العالمية العشرة للصحة العامة التي تواجه البشرية وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

أتدرون أن الاستعمال الخاطئ للمضادات الحيوية يحدث عندما لا نستعملها بطريقة صحيحة ؛ أي عندما نتوقف عن العلاج مبكراً، أو عندما نقلل من جرعاتها أو لا نحترم مواعيد تناولها (كأن نأخذ الدواء مرة واحدة في اليوم عوضا عن مرتين أو ثلاث)، في هذه الحالات لا يحصل الجسم على الكمية الكافية من الدواء من أجل مقاومة البكتيريا مما يسمح لها بالحياة والتكاثر وأن تصبح أكثر مقاومة للمضادات الحيوية.

أتدرون أن الاستخدام المفرط وغير الملائم للمضادات الحيوية يحدث عندما نستخدمها في حالات مرضية لا تستدعي اللجوء إليها مثل الإصابات الناتجة عن الفيروسات كنزلات البرد أو الأنفلونزا والتي ليس للمضاد الحيوي أي تأثير أو فعالية تجاهها، اتدرون عندما لن يكون للمضادات الحيوية أية فعالية تجاه بعض الأمراض فهذا وفقا لمنظمة الصحة العالمية » أننا سنصبح في عالم يموت فيه شخص كل ثلاث ثواني بسبب عدوى أو مرض أو إصابة تافهة، عالم تصبح فيه الوفيات الناجمة عن البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية أكثر من الوفيات الناتجة عن السرطان».

أتدرون أننا أمام اكثر المخاطر الصحية إلحاحا في عصرنا الحديث، خطر يهددنا بالرجوع بنا نحو قرن إلى الوراء عما بلغه العالم من تقدم طبي، أننا أمام » وباء غير مرئي» قد يكون أشد فتكاً على المدى الطويل من فيروس كورونا؛ إذ يُتوقع أن تتسبب في وفاة نحو 10 ملايين شخص سنويا.

نحن امام تحذيرات منظمة الصحة العالمية من احتمال دخول العالم في «حقبة ما بعد المضادات الحيوية » والمشابه لفترة ما قبل اكتشافها و التي قد يموت فيها البشر جراء اصابتهم بالتهابات بسيطة كان بالامكان علاجها بسهولة في العقود الماضية، وانه من الممكن أن يصاب أي شخص بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، ما يترتب عليه المكوث في المستشفى لمدة طويلة، وتكاليف علاج باهظة، إضافة إلى احتمالية الوفاة.

اتدرون أن الاردن ليست استثناء عن بقية بلدان العالم التي اصبحت تعاني من تفاقم مشكلة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية نتيجة سوء الاستعمال لا بل أصبحت مرتعا لها، حيث يستخدم 50 % من الأردنيين المضادات الحيوية إعتمادا على نصائح الأقارب و 49 % يستخدمون المضادات الحيوية التي وصفت لهم في السابق من دون استشارة طبيب و60 % من المراجعين قد طلبوا من الأطباء وصف مضاد حيوي لهم وذلك خلال مراجعتهم المركز الصحي.

خلاصة القول، إذا كنا جادين – و يجب أن نكون كذلك- في إبطاء عملية مقاومة المضادات الحيوية علينا تناولها فقط عندما يصفها لنا الطبيب (وصفة طبية فقط لاغير) وعدم تناول بقايا المضادات الحيوية التي نمتلكها منذ فترة طويلة أو إعطاؤها لأي شخص آخر والا بعد عدة سنوات من الان لن نستطيع أن نجد مضادا حيويا نعالج به مرضانا، فليكن شعارنا » معا للوقاية من مقاومة مضادات الميكروبات ».

امين عام المجلس الصحي العالي السابق

ــ الراي

مواضيع قد تهمك