أ.د. هاني الضمور : الأردن في مواجهة التدخين: رفع الرسوم خطوة نحو إنقاذ الأجيال
يحتل الأردن مكانة متقدمة بين الدول العربية في معدلات التدخين، ليصبح بذلك من بين الدول ذات أعلى نسب التدخين في العالم. وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2019، يبلغ معدل انتشار التدخين بين الذكور البالغين في الأردن حوالي 70%. كما أشارت دراسة أخرى إلى أن حوالي 82% من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و69 عامًا يدخنون السجائر أو يستخدمون التبغ، مما يجعل التدخين في الأردن ليس مجرد نمط حياة غير صحي، بل ظاهرة مجتمعية خطيرة تهدد الأجيال القادمة.
التدخين في الأردن لا يعكس فقط العادات غير الصحية للأفراد، بل يُثقل كاهل النظام الصحي بشكل كبير. فمع ارتفاع معدلات التدخين، تتصاعد كذلك تكلفة العلاج للأمراض المرتبطة بالتدخين مثل السرطان وأمراض القلب والجهاز التنفسي. تُقدر تكلفة العلاج لهذه الأمراض في الأردن بحوالي 500 مليون دينار سنوياً، وهي فاتورة باهظة تُشكل عبئًا هائلًا على المرافق الصحية وتزيد الضغط على المستشفيات التي تعاني بالفعل من نقص في الموارد.
إضافةً إلى الخسائر الصحية، يُعد الأردن مستوردًا كبيرًا لمنتجات التبغ، حيث بلغت قيمة استيراد التبغ ومنتجاته ما يقارب 200 مليون دينار في السنوات الأخيرة. هذه الكميات الهائلة تعكس الطلب المتزايد على منتجات التبغ في السوق المحلي، وتضع مزيداً من الأعباء الاقتصادية على البلاد.
في ظل هذه الأرقام الصادمة، يصبح من الضروري اتخاذ خطوات جذرية لمكافحة هذه الظاهرة، ومن بين هذه الخطوات تأتي فكرة رفع الرسوم على منتجات التبغ. وقد أثبتت التجارب الدولية أن زيادة الضرائب على السجائر لا تقلل فقط من عدد المدخنين، بل تحول دون وقوع المزيد من الشباب في فخ الإدمان على هذه العادة القاتلة.
تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن رفع الضرائب بنسبة 10% على منتجات التبغ يمكن أن يؤدي إلى انخفاض استهلاك السجائر بنحو 4% في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض، مما يجعل هذه الاستراتيجية فعالة بشكل خاص في الحد من انتشار التدخين بين الشباب.
إلى جانب الفوائد الصحية المباشرة، يمكن استخدام العائدات الناتجة عن رفع الرسوم في تمويل برامج وطنية لمكافحة التدخين وزيادة التوعية بمخاطره. هذه البرامج ليست مجرد حملات توعوية، بل استثمار في مستقبل الأردن وصحة أجياله. يمكن توجيه هذه العائدات أيضًا لتوفير الدعم للمدخنين الراغبين في الإقلاع، وضمان توفر الموارد اللازمة لمعالجة المدخنين والتخفيف من الآثار الصحية للتدخين.
إن مواجهة ظاهرة التدخين ليست مسؤولية فردية فحسب، بل هي قضية وطنية تتطلب تضافر كافة الجهود. من خلال السياسات الصارمة والتشريعات الذكية، يمكن للأردن أن يقود الطريق في مكافحة التدخين ويضع نموذجًا يُحتذى به على مستوى المنطقة.
الرسالة واضحة: حماية صحة الأجيال الحالية والمستقبلية تتطلب اتخاذ إجراءات فورية وجريئة. رفع الرسوم على التدخين ليس مجرد إجراء مالي، بل هو خطوة حيوية نحو إنقاذ الأجيال الأردنية من أخطار التدخين وتحقيق مجتمع أكثر صحة ونقاء.
رئيس جامعة ال البيت سابقاً
ــ الراي