معاناة الحركة الرياضية في القدس .. بين اقتحام الاحتلال الملاعب.. وصعوبة عبور الحواجز
عمان - عودة الدولة
حافظت مدينة القدس على الوهج الرياضي رغم الوجع والمعاناة على مدار سنوات طويلة لتعزز حصد الانجازات.
ربما لا يعرف الناظر عن ُبعد، كما هو الحال لدى من شاهد الأمور على أرض الواقع وهو ما تابعته «الرأي» عن قرب لتوثيق الصورة ورصد الحدث والوجع الرياضي.
ولعل الاهتمام بالمسجد الأقصى العنوان الأكبر في المعادلة، إذ كان كسر الحصار والدخول من باب العامود للوفود الرياضية غاية كبيرة، ومن يزور القدس سيطالع التفاصيل على أرض الواقع.
تحمّل الفتيان في القدس الكثير لكي يصبح الحلم حقيقة وطاردوا الأمل، فلم يرهبهم أزيز الرصاص ولا معطيات الاعتقالات لتعزز الرياضة في القدس تاريخاً وجغرافيا جديدة صنعت الأبطال.
الإنجاز الرياضي في القدس، لم يعد بحاجة شهادات فقد أصبح اليوم حقيقة مع ارتفاع سقف الطموحات وكثرة البطولات واكتشاف النجوم، حتى تم اشهار نادي العاصمة الجديد بتواجد الأكاديميات والفرق المبدعة.
يدرك المقدسي أن النجاحات الشاقة لها طعم خاص.. على سبيل المثال كان وصول الفريق إلى أرض الملعب محاطاً بالتضاريس المعقدة، وكان لا بد لسائق الحافلة أن يصعد جبلاً ثم مدخلاً فرعياً ترابياً للوصول بعد محطات التفتيش، لكي تبدأ المباريات وتقام المنافسات لضمان إثبات الذات وتأكيد البراءة الفلسطينية وهوية القدس، ذلك المكان الجميل الذي يحظى بمعزة خاصة وتحديداً لدى قلوب الأردنيين وهم يدعون الخالق عز وجل أن يحميها ويكلؤها برعايته.
وفوق هذا وذاك؛ لم تكتف الرياضة المقدسية باقامة البطولات أو المشاركة من أجل المشاركة، بل رسخت الكثير من المعاني بصعود منصات التتويج، وهذا يدلل الرواية الشهيرة التي تكثف التأكيد على تعزيز الأمل.
«الرأي» بتواجدها الدائم في القدس وثقت بالصوت والصورة كثيراً من التفاعل لدى النشاط الرياضي وأهميته في المدينة الأنيقة.
في البداية؛ مسافات طويلة يقطعها ابن سلوان سيراً على الأقدام إلى ملعب بيت صفافا، لا بل أن طالب المدرسة يسجل في ذاكرته منذ الصغر ضرورة تجاوز الحدود ورباطة الجأش ليكمل القصة حتى النهاية.
كان الاعتقاد السائد أن البطولات الرياضية المقامة مجرد تسلية لمغادرة مساحات الحزن، وإنما في الحلقة الأخيرة أدرك الجميع أن كرة القدم نجحت بلم الشمل داخل القدس، فما دموع فريق جبل الزيتون و«أكاديمية بلا حدود» عند خسارة مباراة بالدور الأول لبطولة القدس سوى فاتحة خير لوعي ذلك المقدسي وقدرته الفائقة على استيعاب الأحداث.
في القدس مواهب كثيرة، تجري بين أزقة الحواري الضيقة وتخوض المباريات الودية في إطار الشغف الواسع للساحرة المستديرة التي تدخل السعادة على عشاقها، وعن ذلك التيار يقول الخبير النشيط في القدس فراس أبو ميالة لـ«الرأي«: في العادة عندما تحدث العوائق لإقامة بطولة ما يتم تأجيلها، إلا في القدس يتم نقلها لمكان آخر مهما كان حجم الفاتورة بهدف الاصرار على النجاح وخلق روح التحدي لدى الشباب.
ويشير إلى أن «بعد تأسيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، أصبحت للقدس أندية مسجلة ومعتمدة من قبل الاتحاد، وأخذت تتقدم وتتطور حتى أصبحت أندية احترافية رغم أنها في السابق لعبت على نظام الهواة».
وأكدت الأرقام أن عدد الأندية المقدسية المسجلة بالاتحاد الفلسطيني لكرة القدم تجاوز 50، مقسمة حسب الفئات العمرية إلى أربعة أقسام: البراعم الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و13، والأشبال بين 14 و16 عاماً، والناشئين بين 17 و18 عاماً، أما الفريق الأول فتكون أعمار لاعبيه فوق 18.
وتعقد في كل عام مباريات تنافسية بين الأندية في مدينة القدس، كما تشارك الأندية المقدسية في المباريات بين المحافظات الفلسطينية وأنديتها المختلفة وأبرزها هلال القدس الذي يشارك أيضاً في البطولات الآسيوية.
روايات من الحدث
يؤكد المدرب جميل العباسي أنه رغم المحاولات المتكررة إلا أن الأندية المقدسية قد لا تستطيع منافسة نظيرتها العربية والعالمية لعدم وجود التدريب الاحترافي وافتقار المدينة إلى الملاعب الكبيرة المهيأة.
ويضيف: حتى الملعب القانوني يقع في منطقة الضاحية شمال القدس المحتلة، ولوقوعه بجهة الضفة من الجدار العازل الذي أقامه الاحتلال عام 2003 ويصعب على اللاعبين الوصول إليه، كما أن استئجاره سواء للتدريب أو لعقد مباريات مكلف مادياً، ولا يقتصر احتياج الأندية المقدسية على الملاعب فقط، بل يتعدى ذلك إلى الأمور المادية، إذ أن الأندية في أغلبها تعتمد على تمويل شخصي من أعضائها.
ولفت النظر إلى أن أعضاء الفريق يتكبدون أعباء في كل مباراة تدريبية أو تنافسية؛ فهم من يقومون باستئجار الملعب، ويدفعون أجرة الحكام، ويتحملون مواصلاتهم من وإلى الملعب «هذا يؤثر على الأداء الفني لأن اللاعب بحاجة إلى أن يكون متفرغا ليستطيع المنافسة، بينما لاعبو القدس يقومون بالعمل من أجل توفير المال الكافي لوقوف فريقهم على قدميه».
وذكر موهبة كرة القدم كامل الترامسي في هذا الاتجاه: تعيق الحواجز التي أقامها الاحتلال على تخوم مدينة القدس تنقل اللاعبين ومشاركتهم في المباريات مع أندية المدن الفلسطينية الأخرى، وهي أكبر المعضلات، حيث كنا في يوم من الأيام بالطريق لملاقاة نادي بيت لحم فقام جنود الاحتلال باعتقال الفريق على الحاجز المقام بين المدينتين، مما حال دون وصولهم للمباراة وبالتالي ألغيت.
كما يعزز بطل كرة الطاولة إبراهيم فؤاد المغربي روايات من الحدث «في شهر أيار الماضي أردت الذهاب من القدس إلى مدينة السليمانية العراقية لوحدي بدون مدرب للمشاركة في بطولة غرب آسيا وأستغرقت معي الرحلة قرابة ثلاثة أيام مروراً بين الحواجز، وكان يهمني بالدرجة الأولى اثبات الذات على قدرة المقدسي تقديم الصورة عن تضحية الشعب».
ويرى الكاتب محمود الحسيني أنه ربما يكون الحديث عن الرياضة في الوقت الراهن من الأمور الثانوية التي لا بد من الترفّع عنها، لأجل تسليط الاهتمام على جرائم الاحتلال التي لا تنتهي، «حضرت الرياضة دائماً بوصفها إحدى أذرع المقاومة الشعبية، التي سعى الاحتلال لعرقلتها وطمسها بكل السبل، فهي تهديد لكل ما بناه أو ما قد يبنيه، تماما كما لن يرى سلاح الكلمة إلا بالعين ذاتها، محاولاً بشتى الطرق تقييد الأفواه».
معطيات دولية
أبرزت تقارير صادرة عن اللجنة الأولمبية الدولية، أن القدس تملك الكثير من الاهتمام الرياضي وتحتاج الدعم لكي تستطيع ممارسة النشاط المطلوب، كما لخصت أرقام على مدار الخمسة أعوام الأخيرة منع قوات الاحتلال ما يقارب 400 شخص بين لاعب ومدرب وصحفي رياضي وكوادر مختصة حاولت الوصول للقدس لتغطية نشاطات رياضية ولكنها عادت دون تحقيق الهدف.
وطالبت اللجنة بالتفريق بين الجانبين السياسي والرياضي والسماح للقطاعات الشبابية التي تذهب للمشاركة في المنافسات الرياضية بالدخول.
ــ الراي