الأخبار

بشار جرار : اقتراع لا قرعة!

بشار جرار : اقتراع لا قرعة!
أخبارنا :  

جميع الانتخابات الاقتراع فيها سري، تحصينا لاختيارات الناخبين. القرار قرارهم وحدهم فيما وفره المرشحون لهم من خيارات. الأمر ليس قرعة على الموجود، بل اقتراع على المنشود بين ما لا ينبغي أن يكون متروكا للصدفة. العملية الانتخابية كلها من ألفها إلى يائها سلسلة من الاختيارات بين خيارات. هي في نهاية المطاف قرار.

هذا القرار بأيدينا كناخبينا، أقررنا بذلك أم أنكرنا، أو حاول بعضنا -بعد إعلان النتائج أو متابعة أداءالناجحين- التنصل من تبعات قرارنا وتداعياته. سواء كان ذلك الاقتراع، الخيار، القرار مستندا إلى إدراك حر على المستوى الفردي أو الجمعي أما غير ذلك، كأن يكون تصويت مجاملة أو خضوعا لتيار جارف عابر، فإننا في كثير من تلك القرارات الانتخابية ستكون ذات امتدادات وطنية. تلك الامتدادات تتجاوز حدود الدوائر الانتخابية التي تخضع في العالم كله للمراجعة الدورية استنادا إلى معايير عدة من بينها، الإحصاء العام وبالتالي خطط التنمية الشاملة التي من بينها التنمية السياسية والتي لا تقتصر فقط على ممارسة العملية الانتخابية.

يشكو الناس من الإحباط، وهم أحيانا أو غالبا معذورون. كل ما يخضع للتقييم غير القابل للقياس بسهولة، لا يلام الناس على اختلاف توقعاتهم وتقييماتهم إزاءه. من هنا تأتي الظاهرة البشرية، العالمية والتاريخية المعروفة باستسهال توجيه أصابع اللوم وأحيانا الاتهام للآخر، خاصة إن كان ذلك الآخر تحت دائرة الضوء، وبالتالي تحت رحمة سهام ونبال الناقدين البنائين وغير البنائين!

لنضرب مثلا ملف المدّخرات والتأمينات. مدخرات العاملين أو تأميناتهم بما فيها رواتبهم التقاعدية سواء في القطاع العام أو الخاص هي جزء أساسي وحساس في أي تصور اقتصادي مالي في أي اقتصاد في العالم. ثمة دول -ومنها بلاد العم سام- أنتجت فيها العملية الديموقراطية عبر البرلمان (الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب) والثقافة والصحافة، أنتجت مفهوم التشاركية -لا الاشتراكية- في تحمل مسؤولية بعض القرارات مقابل خصوصية الأكثر حساسية وخصوصية منها. بمعنى أن تعهَدَ فيها مسؤولية الاستثمار بالادخار الوظيفي الفردي للموظف نفسه، لا أحدا سواه.. فإن جاء استثماره صحيحا مبنيا على أسس علمية وربح، كان الخير خيرين، خير يصيبه خاصة، وخير يعمّ الجميع. الجميع هنا على مستوى مؤسسته أو شركته، والجميع أيضا على مستوى دائرته الانتخابية والجميع على مستوى الوطن كله. أما إن كان العكس -لا قدّر الله- فلا مجال للوم أحد -لا نائبا ولا وزيرا ولا مدير شركة- وبالتالي تكون مسؤولية الخسارة على الفرد في المقام الأول وله أن يتفاهم مع من يحب ومن يعول على ذلك الاختيار -في الاستثمار- بين خيارات توفرت له بدراية وحرية وبشفافية تامة، كأن تستثمر أمواله مثلا بين خيارا ت ثلاثة محافظ، مجازف أو معتدل، وبين خيارات متنوعة كالاستثمار في القطاع الزراعي أم الاقتصادي أم السياحي، أم التقني، كأن يصير لدينا «سيليكون فالي» في وادي عبدون أو وادي رم أو وادي عربة -لا فرق- عند تحقيق ذلك الحلم، سنكون كلنا من الرابحين، بعون الله.

ليس سرا ولا يحتاج الأمر إلى دراسة ولا بحث ولا استطلاع، للتأكيد على أن بعض الدورات الانتخابية، مصيرية بكل ما تعني الكلمة من معنى؟ مع فارق التشبيه ولاعتبارات كثيرة، لنتخيل معا لو كان مواطنو الكوريتين أحرارا تماما قبل تقسيم بلادهم وبعدها؟ لنتصور سويا لو كان بإمكان الإيرانيين التصويت بشكل حر على ما شكا منه جواد ظريف -وزير خارجية إيران الأسبق الذي أنجز الاتفاق النووي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك حسين أوباما- شكا من «إصرار بعضهم على أن يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين». لنتأمل معا، ماذا لو تم الاقتراع قبل كل القرارات الخطيرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها «بلاد العرب أوطاني» عبر زهاء قرن، هل كانت الأمور -لو كانت في اتجاه آخر عما جرى- أفضل حالا أو أقله أقل سوءا؟ قطعا، الاقتراع أفضل من القرعة ما دام صاحب القرار -الناخب والمرشح- يتعامل مع ركن الدولة السلطة التشريعية -كمشرع وكمراقب- كقرار يخص أخص خصوصياته، فلذات أكباد أبنائه وأحفاده. لا مجال للمقامرة فتلك محرمة في تراثنا الروحي، ولا مكان حتى للمجازفة، فالوضع لا يحتمل ترفها.. المأمول المنشود هم «الأصدق قولا والأخلص عملا»، الوطنية ميادينها كثيرة، والبرلمان من منابرها ومناراتها، من حصونها وقلاعها.. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك