الأخبار

د. احمد بطاح : الانتخابات النيابية والتحديات الحقيقية

د. احمد بطاح : الانتخابات النيابية والتحديات الحقيقية
أخبارنا :  

إنّ ممّا لا شك فيه انّ الانتخابات النيابية القادمة المقررة في 10/9/2024 سوف تكون امتحاناً حقيقياً لنجاح فكرة «تحديث المنظومة السياسية» في الأردن وجوهرها الانتقال إلى ما يُسمى «الحكومة البرلمانية».

والواقع أنّ نجاح تطبيق هذه الفكرة هو أكثر ما يُدغدغ عواطف الأردنيين الراغبين في وجود مجلس نيابي قوي يُمثّل «الشارع الأردني» ويقوم بواجباته المنوطة به بحكم الدستور وبخاصة واجبه في سن تشريعات مناسبة تخدم المواطن الأردني، وتحافظ على حرياته، وتراعي مصالحه، وواجبه في مراقبة الأداء الحكومي وتصويبه عند اللزوم، بل وسحب الثقة من الحكومة كما تفعل البرلمانات في النُظم البرلمانية العريقة عادةً.

ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا إنّ الأردن يقف على مفترق طرق (Turning Point) فيما يتعلق بمساره السياسي فإمّا أن تتمخّض الانتخابات النيابية عن مجلس نواب ذي دور حقيقي يأخذ مكانته الحقيقية في النظام السياسي الأردني حيث نظام الحكم حسب الدستور «نظام نيابي ملكي وراثي»، وإمّا أن تتمخّض عن مجلس نواب لا يختلف كثيراً عن المجالس السابقة التي تشير معظم استطلاعات الرأي إلى أنّها لم تكن معبّرة بما فيه الكفاية عن تطلعات الشعب الأردني، وآماله، وطموحاته.

ولكي نصل إلى هذا الهدف الكبير والمطلوب من كافة شرائح الشعب الأردني فإنّنا يجب أن نتغلب على بعض التحديات الكبيرة التي تواجه هذه التجربة الواعدة وهي:

أولاً: إثبات حيادية السلطة التنفيذية (الحكومة) في تنفيذ هذه الانتخابات، ولعلّنا هُنا يجب أن نؤكد أنّ توكيل مهمة الإشراف على الانتخابات إلى «الهيئة المستقلة للانتخاب» على أهميته ليس كافياً بل يجب أن تقوم الحكومة بكل ما من شأنه أن يُعزّز شعور المواطن الأردني بأنه «حر» في اختياراته الانتخابية، وانتماءَاته الحزبية، وأنّ الحكومة تراقب فقط بل تثبت حرصها على الوصول إلى مجلس نيابي ذي صبغة حزبية (ولو جزئية طبقاً لقانون الانتخابات الحالي) يفعّل الحياة السياسية في الأردن، ويعكس حقيقة المجتمع السياسي الأردني بكل أطيافه وتوجهاته. إنّ هذا ينطوي بالضرورة على عدم تفضيل مرشح على آخر، والتوعية بأهمية اختيار المرشح المؤهل بغض النظر عن أيّ اعتبار، وملاحقة «المال السياسي الأسود» بدون هوادة، وتوفير «البيئة الأمنية» المناسبة التي تمكّن كل أردني من ممارسة حقه في التصويت.

ثانياً: المشاركة الشعبية الفاعلة في الانتخابات، ولعلّ هذا يعكس حقيقة أنّ إنجاح «تحديث المنظومة السياسية» ليس مهمة الحكومة فقط بل هي مهمة المواطن أيضاً.

وغني عن القول إنّ المشاركة الكثيفة في الانتخابات دلالة قاطعة على إيمان الشعب الأردني بنظامه السياسي، وتطلعه إلى أفضل مستوى من التمثيل في مؤسساته وبالذات المجلس النيابي.

إنّ قراءَة سريعة لنسب المشاركة في الانتخابات الماضية تشير بوضوح إلى أنّ هذه النِسب كانت متواضعة، ولذا فإن من الأهمية بمكان أن تُعظّم نسبة المشاركة لكي تكون هذه الممارسة الديمقراطية المتعلقة بالانتخابات ذات أهمية وذات معنى، وإذا كان هناك من مؤشر على صدقية الانتخابات، ونزاهتها، وقيمتها بالنسبة للمواطن العادي في أيّ بلد فهو مستوى المشاركة في العملية الانتخابية.

ثالثاً: محاربة «المال السياسي» الذي يمكن أن يتيح للبعض من أصحاب رأس المال الوصول إلى مجلس النواب، الأمر الذي سيمكنهم لاحقاً من تمثيل مصالحهم لا مصالح الشعب. إنّ استخدام المال بالصورة القانونية من قبل المرشح لا غبار عليه، وهو شائع في كل أنحاء العالم، ولكن استخدامه بصورة غير صحيحة وغير قانونية وبما يؤدي إلى شراء «الذمم» و «والأصوات» يؤدي حكماً إلى تزوير إرادة الشعب، وتزييف تفضيلاته، واختياراته، وتطلعاته. إنّ وجود النصوص التي تجرّم استخدام «المال السياسي» بصورة غير قانونية أمر جيد وضروري، ولكن الأهم منه تفعيل هذه النصوص والالتزام بها، والحرص على أن تكون قيداً حقيقياً على كل من يريد أن يستغل «ثراءَه» لشراء إرادة الناخبين بطريقة أو بأخرى.

رابعاً: العمل الجاد على إنجاح تجربة «الحياة الحزبية» وذلك من خلال العمل على إيصال الأحزاب الحقيقية الممثِّلة لإرادة الناس إلى مجلس النواب أملاً في أن يكون لها إسهام حقيقي وقوي في رفد الحياة السياسية وإغنائها وبما يُسهّل تشكيل «حكومة برلمانية» فعلية. إنّ الحياة السياسية الحقيقية لا تتكون ولا تصبح ذات معنى إلّا بوجود الأحزاب. صحيح أن قانون الانتخابات الحالي لم يتح إلّا لعدد محدود من الحزبيين الوصول إلى قبة البرلمان، ولكن هذه خطوة لها ما بعدها إذا ما أُحسِن استغلالها وبخاصة أنّ هناك نفوراً شعبياً من الأحزاب لدى الشعب الأردني لأسباب تاريخية معروفة لا مجال للخوض فيها الآن.

إنّ إنجاح عدد من الأحزاب ذات المصداقية وإدخالها إلى البرلمان أمر مهم للغاية في سياق تطوير الحياة البرلمانية في الأردن، وهو مسؤولية تتشارك فيها الحكومة، والشعب والأحزاب، والنُخب السياسية بشكل عام. ــ الراي

مواضيع قد تهمك