الأخبار

د. رعد محمود التل : أولويات التحديث الاقتصادي في القطاع الصناعي

د. رعد محمود التل : أولويات التحديث الاقتصادي في القطاع الصناعي
أخبارنا :  

لا يفترض أن تمر زيارة جلالة الملك الأخيرة لثلاثة مصانع إنتاجية في مدينة الموقر الصناعية دون أن يتم قراءة دلالاتها وأهميتها بصورة معمقة وتحديداً للقطاع الصناعي كأحد المحركات الرئيسة للنمو الاقتصادي، وضمن سياق رؤية التحديث الاقتصادي التي تشكل خارطة طريق وطنية للنمو المستدام وخلق فرص العمل!

هذه الزيارة اكتسبت دلالات اقتصادية واضحة، فهي تمثل دعماً مباشراً للاستثمارات القائمة، سواء كانت محلية أو أجنبية، وتعكس أولويات محورية في الرؤية الاقتصادية، أبرزها تحفيز الاستثمار، وتعزيز الصادرات، وتمكين الكفاءات الأردنية، وتحقيق القيمة المضافة في سلاسل الإنتاج.

أول ما يلفت الانتباه في المصانع التي شملتها الزيارة، هو تنوع القطاعات الصناعية: من الصناعات الغذائية، إلى التغليف، وصولاً إلى صناعة الألبسة. هذا التنوع يتماشى مع هدف الرؤية في تنويع القاعدة الإنتاجية وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية، إذ إن تنمية الصناعات التحويلية تُمكّن من رفع معدلات النمو وتوسيع الأسواق التصديرية.

كما تُظهر هذه المشاريع قدرة القطاع الصناعي على استيعاب الأيدي العاملة الأردنية، حيث تجاوز عدد العاملين الأردنيين في هذه المصانع الألف موظف، بنسب تشغيل مرتفعة للأردنيين في المواقع الإدارية والفنية. وهذا يعكس التزام الرؤية الاقتصادية بتمكين رأس المال البشري، ورفع نسب التشغيل في القطاع الخاص، لا سيما في المحافظات، بما يسهم في معالجة اختلالات سوق العمل.

أحد الأبعاد المهمة التي أبرزتها الزيارة، هو البعد التصديري لهذه المصانع. فجميعها تعتمد بشكل كبير على التصدير إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، ما يعزز الهدف الاستراتيجي للرؤية في مضاعفة الصادرات الصناعية وتعزيز تنافسية المنتج الأردني. ويُعد هذا التوجه ضرورياً لزيادة الإيرادات بالعملة الصعبة، وتخفيف العجز التجاري، وتحقيق تكامل مع السياسات الكلية المرتبطة بالنمو والاستقرار المالي.

من جهة أخرى، تعكس هذه الزيارة توجهاً واضحاً لتعزيز اللامركزية الصناعية، وتوجيه الاستثمارات إلى المدن الصناعية خارج العاصمة. فمدينة الموقر الصناعية أصبحت نموذجاً على قدرة المناطق التنموية في استقطاب الاستثمارات، خاصة عندما تكون مدعومة ببنية تحتية متطورة وإجراءات تحفيزية. وهذا التوجه ينسجم مع دعوة الرؤية إلى إعادة توزيع النشاط الاقتصادي على مستوى المملكة، وتحقيق نمو أكثر شمولاً وعدالة.

اللافت أيضاً هو الاهتمام بالتصنيع المرتبط بالقيمة المضافة، سواء في إنتاج المواد الغذائية أو تغليفها أو تصنيع الألبسة الرياضية للتصدير. فمثل هذه الأنشطة تعزز سلاسل القيمة الصناعية وتخلق فرصاً واسعة للربط بين الصناعات الصغيرة والكبيرة، كما تدفع نحو الابتكار واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج، وهو ما يشكل ركيزة أساسية في محور التنافسية في الرؤية.

تعكس الزيارة الملكية رسالة دعم قوية للقطاع الصناعي كقاطرة للنمو، وتؤكد أهمية الاستمرار في تحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات، وتوسيع الحوافز لجذب الاستثمارات النوعية. كما تسلط الضوء على أهمية التكامل بين الجهود الرسمية والقطاع الخاص، من أجل تنفيذ مشاريع تنموية توفر فرص العمل وتدعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

لذلك لم تكن هذه الزيارة مجرد جولة تفقدية، بل كانت رسالة استراتيجية تؤكد أن الصناعة، بصفتها محركاً رئيسياً في رؤية التحديث الاقتصادي، ستبقى في قلب السياسات الوطنية، وأن دعم المشاريع الإنتاجية هو ركيزة لتعزيز النمو، وتحقيق التحول الاقتصادي المنشود! ــ الراي

مواضيع قد تهمك