محمد حسن التل يكتب: هل تتخطى دمشق حزام النار؟!

استطاعت القيادة السورية الجديدة عندما نجحت في عقد اتفاق يفضي بضم قوات سوريا الديمقراطية "الكردية " في الجيش وأجهزة الأمن السورية و المؤسسات الإدارية المدنية لمؤسسات الدولة المركزية أن تعطي للعالم إشارة كبيرة بأنها صادقة في توجهها بإعادة توحيد الأرض والشعب السوريين تحت عنوان كلنا سوريون بعيدا عن العرق أو المذهب أو الدين ، كما أن الاتفاق مع الدروز من الممكن أن يتم بأي لحظة وهذا رد على من أراد أن يستغل الأحداث المؤسفة في الساحل السوري لتشويه الثورة السورية ورجالاتها ، وأنه لا أمل لسوريا معهم في مقدمتهم اسرائيل التي لا تخفي نواياها السوداء اتجاه سوريا ورغبتها ان تكون دولة فاشلة ومقسمة..
من غير الطبيعي أن لا تتعرض سوريا بعد سقوط نظام الأسد وانتصار ثورة الشعب السوري إلى ما تتعرض اليه من محاولات زعزعة الأمن والاستقرار من قبل من تضرروا من الواقع الجديد وفي مقدمة هؤلاء فلول النظام الساقط ، فقد بنى هذا النظام لنفسه على مدار أكثر من خمسين عاما جدارا صلبا من آلاف الموالين الذين أغدق عليهم من أموال ومقدرات الشعب السوري ومكنهم من نفوذ واسع سيطروا من خلاله على حياة السوريين ، وبنوا إمبراطوريات من الصعب عليهم أن يستوعبوا أنهم خسروها ، لذلك سيظلون وهم في النزع الأخير يمارسون محاولاتهم البائسة والمستحيلة بإرجاع الزمن حتى تستطيع الدولة الشرعية القضاء عليهم ، وما حدث قبل أيام في مدن الساحل السوري أن هؤلاء مازالت فكرة العودة تتملكهم لا سيما أنهم مدعومون من قوى في المنطقة فهمت أن ما حدث في سوريا شكل لها ضربة قاسمة ، في مقدمة هؤلاء إيران التي ظلت طيلة خمسة عشر عاما تعبث في سوريا وتحاول تغيير القواعد التي بني عليها المجتمع السوري وتغيير الديمغرافيا والمذهبية لصالحها ، وسيطرت على القرار هناك حتى باتت الشام أقرب إلى ولاية تابعة لولاية الفقيه من محيطها العربي ،وعملت طهران بكل إمكانياتها بتوسيع الفجوة بين سوريا ومحيطها العربي حتى تستفرد بها أكثر ، إيران لم تستطع أن تتحمل الصدمة التي تلقتها عندما سقط النظام وهرب الحليف ، الذي تشير كل المعلومات والتسريبات أنه كان يلعب على كل الأطراف بما فيه تواصله مع إسرائيل لأنه شعر في سنوات حكمه الأخيرة بثقل الحمل الإيراني على ظهره ، فحاول أن يفتح له نافذة جديدة ولكنه بدل أن يتجه لأشقائه العرب وقع مرة أخرى في الوحل واتجه نحو إسرائيل .
الأحداث الأخيرة تبين حجم الحقد الذي يتملك فلول النظام ومن يدعمونهم حيث قتلوا مئات الأبرياء ودمروا البيوت على ساكنيها محاولين الوقوف خلف شعار كاذب هو حماية الطائفة العلوية التي في مجملها رفضت الإنجرار خلفهم وأعلنت أنها جزء من الدولة والشعب السوري ومع تطلعاته في إكمال مشروع التحرر وإعادة بناء الدولة السورية .
وهنا من باب الإنصاف لابد من الإشارة إلى التجاوزات التي قام بها بعض المسلحين سواء من داخل الأجهزة الأمنية أو من خارج أجهزة الجيش والأمن السوري والتي من الضرورة الملحة أن تحاسبهم الدولة ، وتؤكد أنها لن تقبل هذه التصرفات تحت أي مبرر والقيام بأسرع وقت بإعادة تأهيل الفكر الذي يحملوه والذي ينعكس على سلوكهم في التعامل مع الناس ، وإلا يكون إقصاؤهم أفضل للجميع ، وهذا ما أشار إليه الرئيس السوري أحمد الشرع .
القيادة السورية استطاعت أن تكسب تأييد الدول العربية ونالت دعمها بالكامل ، كما استطاعت أن تجذب الكثير من الدول الغربية لتأييدها ، لأن المدخل الذي ولجته هذه القيادة كان مقنعا بحد كبير للعالم ، حيث بينت أنها جاءت بشرعية ثورة الشعب السوري لإنقاذ البلاد من النظام الفاسد ويجب أن تستمر بهذا النهج حتى يقتنع الجميع وتخرج البلاد من عنق الزجاجة والمنعطف التاريخي الخطير وتبدأ المسيرة الجديدة نحو الآفاق والآمال التي يتطلع إليها السوريون ، لأن بعض القوى الكبرى في العالم على رأسها الولايات المتحدة لا زالت تنظر بحذر إلى ما جرى في سوريا ، والأحداث الأخيرة في الساحل السوري زاد من هذا الحذر.. لذلك يجب على دمشق الإسراع بأخذ الخطوات نحو وضع الأسس اللازمة لأساس الدولة الجديدة ووضع القواعد التي تحدد طبيعة ومسار المرحلة الإنتقالية لتخطي حزام النار الذي تريد إسرائيل ومن تقاطعت مصالحها معهم محاصرتها به.. كالإعلان الدستوري وتشكيل المجلس التشريعي كذلك تشكيك حكومة تضم قائمة على الكفاءات تمثل كافة أطياف الشعب السوري..