د. مهند النسور : آثار التغير المناخي في العالم العربي.. خطر يتفاقم وصمت يستمر

أصبح التغير المناخي تهديدًا وجوديًا في الدول العربية التي تواجه تداعيات متزايدة لهذه الظاهرة، فتشير الدراسات إلى أن العالم العربي سيشهد تغيرات مناخية مختلفة بوتيرة أسرع من بقية المناطق.
فمن الناحية الاقتصادية، تشير خارطة الطريق لتغير المناخ التي وضعها البنك الدولي إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعد من بين أكثر المناطق عرضة لتداعيات التغير المناخي.
هذه التداعيات ستؤدي إلى ندرة حادة في المياه تهدد الأمن المائي، إضافة إلى تأثيرات سلبية على استدامة الموارد الزراعية والنظم البيئية. حيث من المتوقع أن يدفع التغير المناخي نحو 132 مليون شخص إلى براثن الفقر بحلول عام 2030. كما أن الزيادة في الكوارث الطبيعية ستطاول الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، وفي مقدمتها صغار المزارعين والنساء، بينما سيكون قطاع البناء من أكثر القطاعات تأثرًا بالإجهاد الحراري، إذ يُتوقع أن يفقد هذا القطاع 40% من إجمالي ساعات العمل بحلول عام 2030 نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، ما سيؤثر بشكل خا? على العمال الوافدين والفئات الهشة.
يُعتبر العراق من بين الدول الأكثر تأثرًا بهذه الظاهرة، وذلك بسبب التراجع الكبير في معدلات الأمطار على مدار عدة مواسم، فضلاً عن استمرار استخدام أساليب الري التقليدية التي لا تتناسب مع الواقع المتغير.
وتشير التقارير الأممية إلى أن العراق مهدد بفقدان 20% من مياهه العذبة بحلول عام 2050 إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع بمقدار درجة واحدة فقط.
من جهتها، تحتل مصر المرتبة الخامسة عالميًا من حيث التأثر الاقتصادي بارتفاع مستوى سطح البحر، خصوصًا في المناطق الساحلية والدلتا، حيث تشير التقديرات إلى تراجع إنتاجية القطاع الزراعي بنسبة تتراوح بين 10% و60% نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، وزيادة ملوحة التربة.
من ناحية أخرى، فقد المغرب ثلثي أشجار النخيل في واحات كانت تضم 14 مليون نخلة نتيجة لموجات الجفاف المتكررة التي عانى منها خلال القرن الماضي. وفي تونسو الجزائر، تتعرض البلاد لخطر فقدان مواردها الطبيعية بسبب تراجع محاصيل الحبوب، حيث يُتوقع أن تتعرض نحو ثلث الأراضي الزراعية للجفاف بحلول عام 2030. أما الصومال، فإنه يواجه واحدة من أسوأ أزمات الجفاف المزمنة في العالم، ما يؤدي إلى مجاعات متكررة ونزوح سكاني واسع النطاق.
من جهة أخرى، أصبح من الواضح انتشار أمراض لم تكن معروفة في بعض الدول العربية أو زيادة ملحوظة في معدلات الإصابة بالأمراض المرتبطة بتغيرات المناخ، فقد أسهمت التغييرات المتتالية في درجات الحرارة وتغيرات مستويات الرطوبة في انتشار الأمراض المنقولة، مثل الملاريا وحمى الضنك والليشمانيا. ففي السودان واليمن وموريتانيا، شهدت الحالات المصابة بالملاريا ارتفاعًا كبيرًا نتيجة تزايد أعداد البعوض الناجم عن الفيضانات والمياه الراكدة. في حين كانت السعودية والإمارات والكويت تشهد زيادة حادة في حالات حمى الضنك، وهو مرض كان نادر?ا في تلك المناطق، لكن التغيرات المناخية وفرت له بيئة ملائمة للانتشار.
أما في اليمن والسودان، فتم تسجيل ارتفاع ملحوظ في حالات الكوليرا بسبب شح وتلوث مصادر المياه.
وفي دول الخليج، شهدت المستشفيات زيادة في حالات الربو والتهابات الجهاز التنفسي نتيجة العواصف الرملية المستمرة وتلوث الهواء، كما ارتفعت حالات ضربات الشمس والإجهاد الحراري بشكل خاص بين الوافدين والعمال برغم الاحتياطات المتبعة.
إزاء التحديات المتزايدة التي يفرضها التغير المناخي، بات من الضروري تبني استراتيجيات فعالة وعملية ضمن نهج متعدد القطاعات ويشرك المجتمعات المحلية ويعزز الابتكار الرقمي والتعاون الإقليمي. فيوصي الخبراء باعتماد نهج ذكي مناخيًا في الزراعة وإدارة الموارد الطبيعية، كما يعدّ التخطيط العمراني الذكي والاستثمارات الاستراتيجية ضروريين. كذلك تعزيز قدرات التنبؤ بالأوبئة عبر دراسة تأثيرات المناخ على الصحة العامة. ومن التدابير المهمة أيضًا زيادة التوعية بتأثيرات التغير المناخي على الصحة.
لم يعد التغير المناخي في الوطن العربي مجرد قضية بيئية يتعامل معها في إطار محدود أو بشكل ثانوي، بل تحول إلى أزمة شاملة، تهدد الأمن الحيوي بكافة اركانه.
ومع استمرار هذه التغيرات، تزداد الحاجة الملحة إلى تحرك عاجل من الحكومات والمجتمع الدولي لوضع سياسات مستدامة فعالة تقلل من التأثيرات المناخية قبل أن تصبح العواقب خارج نطاق السيطرة. ـ الراي