اسماعيل الشريف يكتب : النظام العالمي الجديد

«النظام العالمي القديم انتهى... هناك صراع من أجل نظام جديد الآن.» – بوتين
شهدنا جميعًا المشادّة الكلامية بين ترامب ونائبه من جهة ورئيس أوكرانيا، زيلينسكي، في المكتب البيضاوي، حيث أجمع المحللون في الولايات المتحدة على أن الموقف برمّته كان مقصودًا ومخططًا له مسبقًا. وقد شمل ذلك توظيف الموظفين والصحفيين لممارسة ضغط إضافي على زيلينسكي، الذي وقع في الفخّ متخليًا عن دبلوماسيته، وهو بالضبط ما أراده ترامب. في المقابل، يقارن الساسة الأمريكيون بين ردّ فعل زيلينسكي وموقف جلالة الملك، الذي استطاع بحكمته السياسية تفادي الفخ وإعادة الكرة إلى ملعب ترامب.
قد يكون ترامب سعى من خلال هذه المسرحية لتحقيق عدة أهداف، أبرزها زيادة الضغط على أوكرانيا لتحسين شروط اتفاقية استخراج المعادن الثمينة من أراضيها، مقابل المساعدات التي قدّمتها لها الولايات المتحدة في حربها مع روسيا. هذه المعادن، التي تشكل عنصرًا حيويًا في الصناعات التكنولوجية، تصب في مصلحة حلفائه الاقتصاديين. كما قد يكون التقارب مع روسيا هدفًا آخر، حيث يسعى ترامب إلى بناء علاقات جيدة مع موسكو للحصول على نفطها ومنع الصين من الاستفادة من شراء النفط الروسي بخصم 30% من الأسعار العالمية. ويبدو أن مخططه في المرحلة المقبلة هو ضمّ روسيا إلى صفّه لمواجهة الصين.
إلى جانب ذلك، يواصل ترامب الضغط على أوروبا لزيادة ميزانيات التسليح العسكري، كما يسعى إلى تعزيز صورته كصانع سلام عالمي، متطلّعًا إلى نيل جائزة نوبل للسلام عبر تقديم نفسه كزعيم قادر على إيقاف الحروب.
في هذا السياق، تتلاقى مصالح نتن ياهو مع الولايات المتحدة، حيث رحب باحتضان ترامب لبوتين على حساب زيلينسكي. وقبل أيام من اجتماع ترامب مع زيلينسكي، بادر الكيان الصهيوني إلى بيع حليفه الأوكراني، عندما صوّت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يؤكد وحدة الأراضي الأوكرانية ويدين الغزو الروسي. وقد كانت هذه المرة الأولى التي يصوّت فيها الكيان ضد أوكرانيا منذ اندلاع الحرب قبل ثلاثة أعوام.
في البداية، حاول الصهاينة تبرير تصويتهم بأنه جاء نتيجة لضغوط أمريكية، لكنهم اعترفوا لاحقًا بأن القرار كان حرًا ومستقلًا. وكان ذلك بمنزلة مجاملة لترامب، كما أنه أعاد التأكيد على أن الكيان هو الحليف الأهم للولايات المتحدة في المنطقة، حيث ينفذ أوامرها، ويعمل كأداتها الطيّعة وسوطها الذي تضرب به.
إلى جانب ذلك، يسعى الكيان الصهيوني، من خلال هذا الموقف، إلى التقارب مع روسيا، إذ يدرك أهمية بقائها في سوريا لتحقيق مصالحه. فقد مارس ضغوطًا على واشنطن للموافقة على استمرار القواعد الروسية هناك، كما دفع ترامب إلى الإبقاء على الألفي جندي أمريكي في سوريا تحت ذريعة محاربة داعش. ومن خلال هذا الوجود العسكري، يسعى الكيان إلى دعم الأكراد في الشمال والدروز في الجنوب لإضعاف النفوذ التركي في سوريا، وضمان الاحتفاظ بالأراضي التي احتلها حديثًا إلى الأبد.
كما يُقال إن الرئيس السوري، أحمد الشرع، وافق على بقاء القوات الروسية في سوريا مقابل تعهّد موسكو بوقف دعم الأسد وتسليمه في مرحلة لاحقة، وهو ما يعكس معادلة معقدة من المصالح الإقليمية والدولية. في هذا السياق، يطالب نتن ياهو بعدم وجود قوات سورية في الجنوب، ويحذر من أي محاولة للتعرّض للدروز، معتبرًا أن ذلك سيكون بمثابة إعلان حرب.
ومن بين العوامل التي تدفع الكيان إلى دعم التقارب الروسي-الأمريكي مسألة إيران، حيث أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تخوض حربًا ضد طهران. ومن المحتمل أن يكون هذا التقارب على حساب إيران نفسها، التي قد تجد نفسها مضطرة إلى دفع الثمن إذا قررت روسيا التضحية بها في مقابل علاقات أفضل مع الولايات المتحدة، مما سيؤدي إلى زيادة عزلتها وتشديد الحصار عليها.
يدرك الصهاينة أن العالم يشهد تحولات كبرى، وأن النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، والقائم على التحالفات والمنظمات الدولية، بات في طريقه إلى الزوال. في المقابل، يتبلور نظام عالمي جديد تحكمه القوة والبلطجة، دون أي اعتبار للقانون الدولي أو المبادئ التي طالما روجت لها الدول الكبرى.
في ظل هذا النظام، يجد الكيان الصهيوني نفسه مستفيدًا، حيث يحتل مساحات واسعة من الأراضي، وقد استولى مؤخرًا على أراضٍ إضافية في لبنان وسوريا. وكما ستحتفظ روسيا بالأراضي التي احتلتها في أوكرانيا دون أي مطالبات بالانسحاب، فإن الكيان الصهيوني يدرك أنه لن يواجه ضغوطًا جدية لإخلاء الأراضي التي استولى عليها.
لكن بينما يسعى الكيان إلى تقسيم سوريا وترسيخ سيطرته على جنوبها، فإن ذلك يشكل تهديدًا مباشرًا لأمننا القومي. لهذا، تنشط الدبلوماسية الأردنية باتجاه الشمال، لكن في مرحلة لاحقة، قد يخفت صوت الدبلوماسية ليحل محله السلاح، إذ إن المنطقة أصبحت على حافة الانفجار. ــ الدستور