الأخبار

بشار جرار : «دخّن عليها تنجلي»؟!

بشار جرار : «دخّن عليها تنجلي»؟!
أخبارنا :  

في القضايا الكبرى، ذات العواقب الوخيمة الآجلة لا العاجلة دائما، قد لا يتطلب الحل أو التغيير سوى التحرك بالاتجاه الصحيح ولو قيد أنمُلة. يعلم ذلك البحّارة الذي يقودون السفن الضخمة والناقلات العملاقة وحتى حاملات الطائرات، بضعة من أعشار العشر يمين أو يسار خط المسير أو السراط المستقيم فيه الضياع لا فشل المهمة فقط، فشل بحجم تيه قد يتجاوز الأربعين عاما! أي ضياع نحو جيلين، لا قدّر الله.
ما أنا بصدده وقمت بالتمهيد إليه في مقالة أمس هو قضية كبرى اسمها التدخين، ومعضلة أكبر تعرف بالإدمان، وما بينها مسائل تتعلق بالفارق بين القدرة على التكيّف وهذا أمر حميد، والوقوع في براثن المكيّفات، وذلك أمر شر مطلق وسكة ندامة كما يقال. أحيانا تسمى تلك «المكيّفات» مخدرات، وأحيانا تسمى محفزات ومنشطات. جميعها سم زعاف يفضي إلى الموت الزؤام. سموم لا تتلف البدن والمال فقط، بل الإرادة والعزم والهمم، وما هو أهم وأجلّ، تضيّع الروح التي لا خلاص ولا نجاة إلا بها.
جانب كثيرون -غفر الله لجهلهم أو طمعهم أو سوء تقديرهم- جانب كثيرون من قادة الرأي وصنّاع المزاج العام الحقيقة عندما اعتبروا التدخين مجرد عادة ضارة أو سلوك خاطئ. التدخين ما هو إلا رأس جبل جليدي أكبر وأخطر مما أغرق التايتانيك!
لمن كان كحالي في مطلع عقده السادس، يذكر أنه في ذلك الزمن الجميل لم نعرف سوى ثلاثة أنواع من السجائر: الأجنبي والمحلي (المصنّع كفيلاديلفيا -الأبيض والأحمر- وغولدستار وريم) والبلدي (لفّ الهيشة والتُتن). الدخان «البلدي» كان يلف ببراءة بأياد نظيفة، من غير إضافات كيميائية تماما كما كان زمن آبائنا وأجدادنا مادة طبيعية تحرق في جلسات السامر عبر غلايين أو سجائر أو أراجيل تنباك. لكن الحال تغير بتغير الأسواق والمستهلكين وتلك العولمة المتوحشة. اقترف الأشرار في حبائل مكائدهم الموبقات الإعلانية كلها -السافر منها والخفي- لاصطياد مزيد من الطرائد والزج بها في غياهم الإدمان. وجد أولئك الشياطين حتى الحلوى -حلوى الأطفال لا المراهقين فقط- وجدوا فيها ضالتهم، سلعتهم لدس السم فيها. حتى أخطر سموم المخدرات «فِنْتَنِلْ» الذي يقتل ثلاثمائة ألف إنسان سنويا في أمريكا، تمت صناعتها على شكل حبوب يتم تلوينها وكأنها سكاكر أيام زمان أصغر من حبة القضامة، قضامة رمضان أو العيد، المكسوة بحلوى زاهية ألوانها. السم الآن يدس في عصائر السجائر الإلكترونية. الواقع مرعب وخسائره بالمليارات على فاتورة الصحة، وأخرى أكبر تهدر من فاتورة الإنتاج والدخل القومي، وأكبر وأكبر، عندما توظف تلك السموم في إيقاع المغرر بهم في شراك الإرهاب بشعارات خدّاعة برّاقة، فيصير أكثر ما يفرح بعض المُضَلّلين أن فلانا أو علنتانا دمه خال من الكبتاغون! أو سواها من المحفزات، المنشطات، المخدرات. وللقات وما على شاكلته، خطر أكبر كما هو الحشيش الذي زعم المدلسون الأفّاقون أنه ليس حراما لأنه «لا يذهب العقل»!

مواضيع قد تهمك