فارس الحباشة : هل يبتلع ترامب القارة العجوز؟

واشنطن لا تتعامل فقط مع العرب كدمى على رقعة الشطرنج. ولكن، تتعامل كذلك مع البلدان الاوروبية.
استنزاف للثروات والازمنة، واستنزاف مروع للسياسات والامكانات. ويرى ترامب أن اوروبا مجبرة على دفع فاتورة الناتو العسكرية والامنية، ومقابل حماية امريكا الى القارة العجوز.
وفي واشنطن، سواء كان الرئيس جمهوريا ام ديمقراطيا، فانهم يرون انفسهم «الهة القرن».
وفي علاقة امريكا مع اوروبا محاولة لاحتواء القارة العجوز، واقتضى في عهد الرئيس الامريكي السابق بايدن دخول اوروبا في حرب اوكرانيا لازاحة خطر بوتين، وان يحل زيلينسكي محله بشخصية كاركاتورية. استدرج القيصر بوتين الى المتاهة الاوكرانية، وبعدما وضعوا اطارا لدخول اوكرانيا الى حلف الناتو، ونصب صواريخ بالستية على أسوار الكرملين.
وفي اعوام الحرب الاوكرانية، اعادت روسيا بناء قوتها على الارض، وابتعثت الروح القومية الروسية بكل وهجها، وتكيفت مع الحصار الاقتصادي، وانتعشت القطاعات الزراعية والصناعية على نحو حد مثير. وثم جاءت زوبعة ترامب في الأزمة الأوكرانية.. وشاهدنا كيف كان الرئيس الاوكراني محشورا بين مخالب ترامب في اجتماع المكتب البيضاوي.
امريكا «قضاء وقدر «.. وبلا شك في التاريخ لم توجد دولة تلعب في تقرير مصائر العالم، كما هو شأن امريكا. وهي حقيقة يصعب انكارها.
ومن بعد الحرب العالمية الثانية، وامريكا تنفرد في ادارة العالم، وان تقاسمت النظام العالمي مع دول أخرى، فسرعان ما يتحول العالم الى القبضة الامريكية.
ومنذ انزال النورماندي عام 1944، ومشروع مارشل عام 1946، والبيت الابيض ينظر الى اوروبا كمحمية امريكية. ووصف ترامب اوروبا بـ»العشيقة الشمطاء» ، وان حاولت بريطانيا وفرنسا أن يحافظا على بريق اوروبي في حرب 1956، والعدوان الثلاثي على مصر، ومحاولة تحطيم جمال عبدالناصر على ضفاف قناة السويس، ولكن جاء الامريكان وبالضربة القاصمة قضوا على الانجليز والفرنسيين في الشرق الاوسط.
ومن ذاك التاريخ، والاوروبيون عاجزون عن إرسال برقيات تهنئة ومعايدة الى الشرق الاوسط الا بضوء اخضر وموافقة من واشنطن.
وكذلك، انتهى ديغول وفرانسوا ميتران وتاتشر.. ولاحظنا، كيف كان رد ترامب على الرئيس الفرنسي ماكرون حينما طالب بتأسيس جيش اوروبي موحد، وما اعلنه من بكين عن مكان لاوروبا مستقلة في العلاقة ما بين الصين والغرب .
وفي الازمة السورية والقضية الفلسطينية، والملف النووي الايراني، رأينا كيف أن الاوروبيين يلعبون دورا كما لو أنهم امريكان اكثر من الامريكيين.
ودون هوادة، فإن ايلون ماسك تدخل في الانتخابات الالمانية، وعرف كيف يبعثر اوراق اليمين واليسار في المانيا. وبعدما تحولت الايدولوجيات الى ظاهرة كاريكاتورية، ولا تدري هل تثير الشفقة على اليمين ام اليسار ؟ والى أي حد يمكن أن تتحمل اوروبا زوابع ترامب السياسية، وخصوصا في أزمة اوكرانيا، والانقلاب على التحالف الغربي، والذي يقود العلاقة الامريكية / الاوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.
وهي اسئلة تتكاثر أن كانت اوكرانيا ضحية روسية أم امريكية؟ أو أن هذا البلد كان يمكن أن يكون جدار عزل بين روسيا القيصرية واوروبا العجوز؟
ترامب يستهين في الحلفاء الاقليمين والدوليين، وحتى بريطانيا، ووجدت نفسها لاول مرة منذ استقلال امريكا الى جانب الاخر من واشنطن في مسألة الامن الاوروبي.
رئيس وزراء المجر قال : الاقوياء يصنعون السلام والضعفاء يصنعون الحرب. ويغازل سياسة ترامب في ادارة ملف الازمة الأوكرانية. وفيما يعتبر سياسيون اوروبيون أن ترامب اعلن الطلاق في علاقة امريكا مع اوروبا، وان القارة العجوز في نظر ترامب لم تعد تصلح ان تكون الحصان الامريكي، وليترك اوروبا عارية أمام «الدببة القطبية». ــ الدستور