د. احمد بطاح : آفاق وقف الحرب الروسية الأوكرانية في عهد ترامب

إنّ مما لا شك فيه أن إدارة ترامب تسعى إلى تسوية المشكلة الروسية الأوكرانية ليس من أجل عيون الروس والأوكرانيين ولكن لأن ترامب «صاحب الصفقات» يريد أن يوفّر على بلاده دفع المزيد من المليارات (100-200 مليار حتى الآن) لأوكرانيا، ولأنه يريد أن يظهر أنه «الزعيم» القوي الذي يستطيع حل مشكلات العالم من خلال «أسلوب الصفقات»، وكلنا يذكر أنه كان يتبجح ويقول إنه قادر على حل المشكلة الروسية الأوكرانية في (24) ساعة، وإن هذه الحرب «السخيفة» على حد قوله لم تكن لتنشب لو أنه كان رئيساً!
والواقع أن بيان وزير دفاعه في اجتماع «الناتو» مؤخراً كان مُوفّقاً ويساعد على الحل إذْ أشار إلى مسألتين هامتين يمكن أن تبدأ بهما المفاوضات بداية «جدية» و"عقلانية» وهما: عدم السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف «الناتو» أقلّه في المستقبل القريب وهذا في الواقع هو سبب الحرب الرئيسي فقد رأت روسيا بانضمام أوكرانيا إلى حلف «الناتو» اقتراباً خطراً من الناتو إلى حدودها المباشرة وهو ما لا تسمح به أبداً، وثاني هاتين المسألتين هو أنه من غير الواقعي مطالبة أوكرانيا بالعودة إلى حدود ما قبل 2014 حين استعادت روسيا شبه جزيرة?القرم، فالكل يعلم أن شبه الجزيرة هذه كانت أرضاً روسية حتى عام 1954 حين ألحقها الزعيم السوفييتي «خرشوف» آنذاك بأوكرانيا (التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي) لأسباب تنظيمية، كما أن الكل يعلم أن معظم سكان شبه جزيرة هذه هم من الروس، وأنها قاعدة تاريخية للأسطول الروسي لا يمكن أن يستغني عنها حتى قيل إنها «حاملة الطائرات غير القابلة للغرق» لأهميتها الاستراتيجية بالنسبة للبحرية الروسية.
إن محاولة ترامب الأخيرة مع «بوتين» و"زيلينسكي» واعدة فيما يبدو فالزعيم الروسي يريد وقف هذه الحرب لوقف استنزاف بلاده، وإعادة علاقاتها الاقتصادية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب، والزعيم الأوكراني يريد وقفها كذلك بعد ما تعرضت له بلاده من خسائر حيث احتلت روسيا أكثر من (20%) من الأراضي الأوكرانية، فضلاً عن الدمار الهائل الذي شهدته البلاد، واضطرار الملايين من الأوكرانيين إلى اللجوء إلى البلدان الأوروبية.
إن العقبة الوحيدة التي يمكن أن تقف في طريق المقاربة الأميركية لحل النزاع هي أنّ أوروبا ليست متحمسة لهذه «الصفقة الترامبية» لأنها تعتقد أنها «جائرة» بحق أوكرانيا، وأنّ هذا الحل يمثل نوعاً من الانتصار «لبوتين» الأمر الذي قد يشجعه على غزوات أخرى لبعض الدول الأوروبية مستقبلاً، وقد عبّرت بعض الدول الأوروبية عن هذا الامتعاض بقولها إنه لا يجوز بدء المفاوضات «بتنازلات» لروسيا، كما رسمت بعض الدول الأوروبية خطاً بين «وقف إطلاق النار» وبين «السلام» الذي يُفترض أن يكون دائماً وعادلاً.
وقد يكون حلف «الناتو» هو الآخر غير متحمس لهذه الصفقة المُنتظرة وذلك على اعتبار أنها سوف تشكل انتصاراً استراتيجياً وجيوسياسياً لصالح روسيا كقوة عسكرية عظمى في مواجهة «الناتو» كحلف عسكري تقوده الولايات المتحدة ويُعتبر حامي حمى أوروبا.
ولكن. وبغض النظر عن «التخوفات» الأوكرانية و"التحفظات» الأوروبية فإن الولايات المتحدة تملك القوة الكافية والمهيمنة التي تمكنها من التأثير (Leverage) على الأوكرانيين والأوروبيين وبدرجة أقل على الروس، والواقع أن الأوكرانيين لا يستطيعون الاستمرار في الحرب بدون المساعدة الأميركية، كما أن الأوروبيين لا يستطيعون أن يكونوا بدلاء عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بهذه المساعدة، ويجب ألا ننسى أيضاً أن أوروبا خسرت كثيراً بسبب وقف الإمدادات الروسية الرخيصة من الطاقة المتمثلة في النفط والغاز الروسيين.
إنَ محصلة المفاوضات المقبلة بين روسيا وأوكرانيا بوجود أميركي وأوروبي لا يمكن التنبؤ بها بدقة، وإن كانت البدايات مبشّرة من حيث إيجابية تواصل ترامب مع «بوتين» و «زيلينسكي» ومن حيث بعض القواعد والأسس التي أشار إليها وزير الدفاع الأميركي، والقاعدة الذهبية في عالم المفاوضات هي أنها انعكاس للقوى الفعلية على الأرض، وأنّ من غير المتوقع أن يحصل كل مفاوض على «كل شيء» بل أن يشعر كل طرف أنه حقق «أهم أهدافه».
إن الجهود الأميركية بقيادة ترامب قد تكون واعدة فعلاً، وبخاصة أن البلدين راغبان فعلاً في وقف هذه الحرب، وإن الدول الأوروبية المهتمة بهذه الحرب لا تستطيع في الواقع إلّا السير خلف الولايات المتحدة والموافقة على مرئياتها وخططها بشأن الموضوع.