د. عدلي فندح : شراكة إستراتيجية بين الأردن وكازاخستان

تُعَد اتفاقيات التفاهم أدوات دبلوماسية واقتصادية مهمة تُوقّع بين الدول لتعزيز التعاون في مجالات مختلفة، دون أن تكون ملزمة قانونيًا كالمعاهدات الرسمية. وعلى الرغم من ذلك، فإنها تُمهِّد الطريق لشراكات استراتيجية مستقبلية قد تتطور إلى اتفاقيات رسمية ذات طابع إلزامي، مما يجعلها أداة فعالة في تعزيز العلاقات بين الدول وفتح آفاق جديدة للتعاون.
تسهم هذه الاتفاقيات في تحفيز التجارة والاستثمار عبر توفير فرص اقتصادية جديدة تساهم في دعم النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل. كما أنها تتيح نقل التكنولوجيا والخبرات بين الدول، ما يعزز من قدرات الابتكار والتقدم التكنولوجي، إضافةً إلى دورها في تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، حيث تعكس مستوى الثقة والتعاون بين الدول، ما يُشجِّع تدفق الاستثمارات. كما تُستخدم هذه الاتفاقيات كمرحلة أولى قد تُفضي إلى اتفاقيات دولية مُلزِمة إذا أثبتت جدواها الاقتصادية والسياسية.
أما فيما يتعلق بإلزامية هذه الاتفاقيات، فإنها تختلف حسب نصوصها، إذ إن معظمها لا يُلزِم الأطراف قانونيًا، بل يكون التزامًا أخلاقيًا أو سياسيًا. ولكن في بعض الحالات، قد تكتسب هذه الاتفاقيات طابعًا إلزاميًا إذا تضمّنت نصوصًا واضحة حول التنفيذ، أو إذا تم إدماجها في عقود رسمية بين شركات أو مؤسسات حكومية. ولضمان تحقيق الفوائد المرجوة منها، ينبغي تقييمها دوريًا من خلال مراجعة الإنجازات المتحققة مقارنةً بالأهداف المحددة، وتحليل أثرها على الاقتصاد الوطني، وإعادة التفاوض بشأنها أو تعديلها عند الضرورة.
في هذا السياق، وقع الأردن وكازاخستان مؤخرًا مذكرة تفاهم تُعزز التعاون بين البلدين في مجال تعدين اليورانيوم، وهو قطاع يحمل إمكانات اقتصادية كبيرة على المدى الطويل. جرى توقيع الاتفاقية بين شركة تعدين اليورانيوم الأردنية وشركة كازاتومبروم الكازاخية، إحدى الشركات الرائدة عالميًا في إنتاج اليورانيوم، وذلك بحضور وزير الاستثمار الأردني ورئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية ومسؤولين كبار من كازاخستان، خلال الزيارة الرسمية لرئيس جمهورية كازاخستان إلى المملكة.
تهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير مشاريع استكشاف وتعدين اليورانيوم في الأردن، ما يسهم في تعزيز قدرات المملكة في هذا القطاع الحيوي. كما توفر فرصة مهمة لتبادل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة، حيث تمتلك كازاتومبروم خبرة واسعة يمكن أن تساعد الأردن في تطوير بنيته التحتية في صناعة تعدين اليورانيوم. بالإضافة إلى ذلك، تسهم هذه الشراكة في دعم الطلب العالمي على اليورانيوم، مما يعزز استقرار سوق الطاقة النووية.
تكمن أهمية هذه المذكرة في كون كازاخستان تُعد أكبر منتج لليورانيوم في العالم، والتعاون مع شركة متخصصة مثل كازاتومبروم يُتيح للأردن الاستفادة من أحدث التقنيات والخبرات المتاحة في هذا المجال. وتتماشى هذه الاتفاقية مع رؤية الأردن لتطوير قطاع الطاقة النووية كجزء من استراتيجيته لتحقيق أمن الطاقة، ما يجعلها خطوة مهمة في هذا الاتجاه.
ورغم أن قطاع تعدين اليورانيوم قد يبدو بعيدًا عن الحياة اليومية للمواطن العادي، إلا أن تأثيراته الاقتصادية قد تمتد إلى عدة جوانب تمس الاقتصاد الوطني، وبالتالي معيشة الأفراد. فمن المتوقع أن يسهم نجاح مشاريع التعدين في خفض تكاليف الطاقة على المدى الطويل، خاصة إذا تمكن الأردن من تطوير مشاريعه في مجال الطاقة النووية السلمية، مما قد يؤدي إلى تخفيض فاتورة استيراد الطاقة، وبالتالي استقرار أسعار الكهرباء.
علاوة على ذلك، فإن تطوير هذا القطاع سيوفر فرص عمل جديدة في مجالات الهندسة، الجيولوجيا، التعدين، والأعمال اللوجستية، ما يفتح المجال أمام الشباب الأردني لاكتساب مهارات متقدمة. كما سيؤدي نقل التكنولوجيا والتدريب إلى تطوير برامج تعليمية ومهنية جديدة، ما يرفع من مستوى الكفاءات المحلية.
كما أن استثمار الشركات الأجنبية في قطاع التعدين الأردني سيسهم في تعزيز الاحتياطي النقدي ويدعم الاستقرار المالي، إلى جانب تحفيز الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بهذه المشاريع، مثل تطوير البنية التحتية، ودعم قطاع النقل والخدمات. كذلك، فإن التعاون مع كازاخستان في هذا المجال قد يشكل فرصة لتطوير البحث العلمي والتعليم التقني في الجامعات الأردنية، مما يعزز من جودة التعليم في المجالات الهندسية والتعدينية.
على المدى الطويل، يمكن أن يسهم النجاح في مشاريع تعدين اليورانيوم في جعل الأردن مركزًا إقليميًا في هذا القطاع، ما يعزز مكانته في سوق الطاقة العالمي. وإذا تمكنت المملكة من تحقيق الاكتفاء الذاتي أو حتى تصدير اليورانيوم، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز قيمة الدينار الأردني واستقرار الاقتصاد الوطني.
ورغم أن التأثيرات المباشرة لمذكرة التفاهم قد لا تكون ملموسة في الوقت الحالي، إلا أن فوائدها المحتملة على المدى البعيد تشمل توفير طاقة أرخص، خلق فرص عمل، وتعزيز الاقتصاد الأردني. ولهذا، فإن المتابعة المستمرة والتقييم الدقيق لهذه الاتفاقيات ضروريان لضمان تحقيق النتائج المرجوة وتحويلها إلى إنجازات ملموسة تعود بالنفع على الأردن ومواطنيه.
ــ الدستور