د. محمد العرب : هل الوهم هو الحقيقة المطلقة؟

في زحمة الأسئلة الوجودية التي تنهال علينا من كل اتجاه، نقف مذهولين أمام متاهة الخيارات. هل نحن فعلاً أحرار في قراراتنا، أم أننا مسيّرون بخيوط غير مرئية تحركها أيدٍ لا نراها؟
إذا كانت الحقيقة نسبية، كما يؤمن الفلاسفة، فما الذي يثبت أن ما نؤمن به اليوم لن يصبح غداً أكذوبة أخرى تُلقى في سلة مهملات التاريخ؟ أليست الحقيقة نفسها وجهة نظر؟ وجهة نظرنا، أو ربما وجهة نظر من يملك القوة لتشكيل رؤيتنا. التاريخ مليء بالحوادث التي نُظر إليها كحقائق دامغة في زمنها، لكنها انهارت مع ظهور معرفة جديدة. الحقيقة، إذاً ليست مطلقة، وإنما قيد المراجعة الدائمة.
ولكن ماذا عن الوهم؟ الوهم الذي نحاول دوماً التخلص منه وكشف زيفه؟ أليس الوهم أكثر ثباتاً من الحقيقة؟ الوهم لا يتغير، إنه يعيش في أعماقنا، يغذي مخاوفنا، يزين طموحاتنا، ويوجهنا من حيث لا ندري. ربما نحن بحاجة إلى الوهم أكثر مما نحتاج إلى الحقيقة. فالحقيقة مرهقة، قاسية، ولا ترحم ، أما الوهم فهو رفيق دائم، يصوغ لنا واقعاً مريحاً نقوى على العيش فيه.
إن الوهم ليس عدواً دائماً ، بل قد يكون الحليف الذي يبقينا مستمرين في عالم يرفض البساطة. من منا لم يتمسك بوهمٍ ما كي ينجو من قسوة الواقع؟ القوة وهم ، النجاح وهم، وحتى السعادة، تلك اللحظة العابرة التي نسعى خلفها كأنها غاية الوجود، قد لا تكون سوى انعكاس لوهم زرعناه في أذهاننا منذ الطفولة.
وإذا كان الوهم حقيقة، فما الذي يجعلنا نرفضه؟ لأننا نريد تصديق أننا أذكى من الوقوع فيه؟ أم لأننا نخشى مواجهة أنفسنا عندما ندرك أن حياتنا كلها قد تكون مبنية على سلسلة من الأوهام؟ إن رفض الوهم قد لا يكون إلا وهماً آخر، قناعاً نرتديه لنوهم أنفسنا بأننا نبحث عن الحقيقة، بينما الحقيقة نفسها هاربة منا، كسراب يبتعد كلما اقتربنا منه.
ختاماً إذا كانت الحقيقة نسبية والوهم دائماً حاضر، فهل يمكننا حقاً الفصل بينهما؟ ربما علينا إعادة التفكير في كل شيء نؤمن به. ربما الحقيقة والوهم ليسا ضدين كما نتصور، بل وجهين لعملة واحدة، تتبادلان الأدوار بناءً على حاجتنا النفسية للحفاظ على توازننا في هذا العالم الفوضوي.
فهل نحن أحرار حقاً؟ أم أننا مجرد أسرى للوهم الذي نختاره ليمنحنا شعوراً زائفاً بالسيطرة؟ السؤال الحقيقي ليس ما إذا كنا نعيش في الوهم، بل ما إذا كنا مستعدين لقبول أن الوهم قد يكون الحقيقة المطلقة. ـ الدستور