عوني الداوود : الأردن في «دافوس 2025»
حين نتحدث عن المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) فإننا نتحدث عن أهم منتدى عالمي يحضره قادة وزعماء العالم وصناع القرار السياسي والاقتصادي والتكنولوجي والمناخي وغيرها في العالم.
هذا «المنتدى»، الذي يشارك فيه سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني مندوبًا عن جلالة الملك، سبق أن حظي الأردن باستضافته كأول دولة في الشرق الأوسط تستضيف هذا المنتدى الأهم عالميًا (2003)، منتقلًا من مرتفعات جبال «دافوس» السويسرية الثلجية، إلى المنطقة الأكثر انخفاضًا تحت مستوى البحر في العالم، ليقام ولأكثر من (10) مرات «منتدى دافوس البحر الميت».
المنتدى هذا العام، وفي دورته الـ(55) يشارك فيه نحو ثلاثة آلاف شخصية قيادية من أكثر من 130 دولة، من بينهم 60 رئيس دولة وحكومة، ويقام خلال الفترة من 20 وحتى 24 يناير/كانون الثاني الحالي، وتحت شعار «التعاون من أجل العصر الذكي».
أهم الملاحظات ومحاور المنتدى هذا العام -كما نقرأها- تتلخص في النقاط التالية:
1. حضور أردني مميز وقوي في أعمال هذا المنتدى الهام، من خلال حضور ومشاركة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني. الأردن له دور كبير وفاعل في المحاور الرئيسة التي يحرص عليها المنتدى الاقتصادي العالمي، ومنذ سنوات طويلة، خصوصًا ما يتعلق بملفات الريادة والابتكار والإبداع، ودور الشباب، وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي. وقد تم تشكيل «المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل» مؤخرًا بتوجيهات ملكية سامية ومتابعة من سمو ولي العهد، برئاسة د. جعفر حسان.
2. للأردن حضور دبلوماسي في المنتدى من خلال مشاركة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، الذي تحدث بالأمس في جلسة حوارية مع الصحفي ديفيد إغناشيوس من صحيفة واشنطن بوست حول القضية الفلسطينية وما خلّفه العدوان على غزة من دمار، مشددًا على أن المجتمع الدولي يجب أن يعمل مجتمعًا من أجل ضمان استمرار وقف النار في غزة وإدخال مساعدات فورية وكافية لجميع أنحاء القطاع.
3. «منتدى دافوس» يُقام في اليوم الذي تم فيه تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي سيشارك في أعمال المنتدى من خلال خطاب عبر بث مباشر (اليوم الخميس). ولذلك فإن العالم يترقب قرارات ترامب التي بدأت آثارها واضحة على كثير من دول العالم -كما برز ذلك في كلمات كثير من المشاركين في المنتدى-.
4. الملفات الاقتصادية الأبرز تتمحور حول: سياسات ترامب الاقتصادية الجديدة وأثرها على اقتصادات العالم، وتحديدًا دول الاتحاد الأوروبي والصين، خصوصًا بعد تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على دول، وتعبيره عن طموحاته التوسعية في كندا وغرينلاند. فقد بات العالم يطرح تساؤلات عدة في مقدمتها: «ما هي مخططات ترامب؟»، و»ما هو شكل الحروب التجارية التي سيثيرها؟»، وما انعكاسات كل ذلك على الاقتصاد العالمي؟ وهذا ما جعل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تحذر في كلمتها بالأمس من خطر ما وصفته بأنه «سباق عالمي نحو القاع» باستخدام أدوات اقتصادية مثل العقوبات وضوابط التصدير والرسوم الجمركية، وحديثها عن «حقبة جديدة من المنافسة الجيوستراتيجية القاسية».
5. الملفات السياسية حاضرة بقوة في المنتدى أيضًا، وفي مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية التي اقتربت من عامها الثالث، وكذلك الحرب على غزة، وسوريا (التي تشارك لأول مرة في أعمال منتدى دافوس) من خلال حضور وزير خارجيتها أسعد الشيباني.
6. الملف الأبرز في «دافوس 2025»، عنوانه «الذكاء الاصطناعي»، وهو العنوان الرئيس لهذا العام. السبب -كما يقول الخبراء المشاركون- يعود إلى أهمية الذكاء الاصطناعي بوصفه «قوة دافعة للاقتصاد والمجتمع». ولذلك فقد تم تخصيص أكثر من 20 جلسة خلال «دافوس 2025» للتركيز بشكل مباشر على مجال الذكاء الاصطناعي ودوره في التعليم والعمل والاقتصاد، إضافة إلى كيفية تأثيره على الجغرافيا السياسية وضرورة تنظيمه.
7. محاور وملفات وتوصيات منتدى دافوس تشكل عادة لكثير من دول العالم «بوصلة عمل لأولويات العام سياسيًا واقتصاديًا»، وأهم التوجهات. ولهذا تم هذا العام اعتبار ملف «الذكاء الاصطناعي» أساسًا لشعار منتدى 2025 «التعاون من أجل العصر الذكي»، وذلك لعدة أسباب، منها:
a) العالم يعيش مرحلة «العصر الذكي» الذي يتميز بالتقدم السريع في التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية.
b) الذكاء الاصطناعي بات يُستخدم بشكل واعد في العديد من القطاعات، مثل الصحة والتعليم والزراعة.
c) قدرة الذكاء الاصطناعي حاليًا على جذب كميات مذهلة من رأس المال. الإحصائيات تؤكد أن الاستثمارات العالمية في هذا المجال تنمو بوتيرة غير مسبوقة.
d) النقلة النوعية التي نشهدها في طريقة عمل الاقتصاد العالمي، فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة لتحليل البيانات، بل أصبح محركًا رئيسيًا للإنتاجية والابتكار.
e) العديد من الشركات الكبرى باتت تعتمد على هذه التكنولوجيا لتحسين سلاسل الإمداد، وتطوير منتجات جديدة، وحتى تعزيز تجربة العملاء.
f) الذكاء الاصطناعي عامل أساسي في بناء الاقتصاد المستقبلي. فلم يعد رفاهية، بل ضرورة لأي دولة تريد أن تحافظ على تنافسيتها في السوق العالمية. ــ الدستور