د. احمد يعقوب مجدوبة : التّعلّم المبني على المشاريع!
من أهم أساليب التعليم والتقييم معاً في السياق التربوي، مدرسياً وجامعياً، التعلم المبني على المشاريع. والفكرة ببساطة تقوم على تكليف الطلبة كجزء من تعلّمهم وتقييمهم في المواد المختلفة بإعداد مشاريع خلال الفصل الدراسي كله أو جزء منه؛ وعادة مشروع واحد لكل طالب في المادة الواحدة، يُعدّه بإشراف المدرس ويُسلمه في الوقت المحدد، ويتم تقييمه وإعطاؤه علامة هي جزء من العلامة الكلية.
ويمكن أن يشترك أكثر من طالب في إعداد المشروع، على أن تكون أدوارهم معروفة لضمان انخراطهم الفاعل والعدالة في التقييم.
وأنواع المشاريع التي يمكن تنفيذها في المواد لا حصر لها اعتماداً على طبيعة المادة والأبعاد والأنشطة المتصلة بها. وكل المواد الدراسية بلا استثناء، في الحقول العلمية والهندسية والصحية والتقنية والاجتماعية والإنسانية، يمكن أن تُنفذ فيها المشاريع وتُقيم.
ومن المشاريع التي يُنفذها طلبتي منذ مدّة في المجال الذي أدرّسه، وهو الأدب الإنجليزي، مشروع إعداد فيديو من ثلاث إلى خمس دقائق، يعمل عليه الطلبة في كل مادة منذ بداية الفصل ويسلمونه قبل نهاية الفصل بثلاثة أسابيع ليتسنى لي الاطلاع عليه وتصحيحه وتزويدهم بالتغذية الراجعة قبل نهاية الفصل.
وتقوم الفكرة على أن يختار الطالب أي موضوع له صلة بالمادة، فكرة ما أو مؤلف أو نص، ويتحدث شارحاً ومُعلقاً ومحللاً بلغة إنجليزية سليمة ومهارات تواصل فاعلة، معززاً طرحه في الغالب بصور أو رسومات أو تأثيرات صوتيه ذات صلة.
وعلى بساطة المشروع، وسهولة إعداده بواسطة جهاز حاسوب أو هاتف نقال، فإنه يتطلب أن يمارس الطالب عدة مهارات لغوية وتواصلية مهمة. منها القراءة والاستماع والبحث والكتابة والتحدث والعرض والتصميم والمونتاج والتحرير والإخراج وغيرها من مهارات.
ومن أهم فوائد المشروع هذا تغلّب الطالب على الشعور بالرهبة من التحدث وتمكينه من ممارسة التواصل من خلال الصوت والصورة، وهي مهارة تتفوق هذه الأيام على مهارة إعداد النص، حيث أصبح التواصل من خلال الفيديو من أهم سبل التواصل المؤثرة.
وكما أسلفنا، تختلف المشاريع حسب اختلاف المواد الدراسية، لكن اعتماد المشاريع عموماً سبيلاً للتعلم والتقييم يمتاز بالميزات المهمة الآتية، من بين ميزات كثيرة:
أولاً، سهولة القيام بها وبكلف لا تكاد تذكر.
ثانياً، كسر روتين التعلم والتقييم المُعتمدين حالياً في نظامنا التعليمي.
ثالثاً، المساهمة في تعددية أساليب التعليم والتقييم من أجل تعلّم أرحب أفقاً وتقييم أكثر شمولية؛ فالامتحانات كوسائل للتعليم والتقييم مهمة، لكن لا يجب أن تكون الأسلوب الوحيد المتبع.
رابعاً، تمكين المتعلم من الاعتماد على ذاته في التعلم بدل اعتماده على المدرس معظم الوقت؛ وهذا مطلب لنا منذ سنوات.
خامساً، تمكين الطلبة من تنفيذ وتطوير أعمال ومهام ومبادرات عملية ملموسة ومحسوسة بهدف ترسيخ مفاهيم التطبيق والتنفيذ والإنتاج ومن ثم الابتكار والإبداع، بدلاً من حفظ المعلومة وتدويرها.
وهنالك فوائد أخرى عديدة.
ومن هنا تأتي ضرورة اعتماد التعلم المبني على المشاريع رسمياً وعلى نحو مدروس وممنهج في نظامنا التعليمي، تعزيراً وإثراءً لعمليتي التّعلم والتقييم، وتطويراً لنظامنا التعليمي الذي ما زال تقليدياً مركّزاً على الجانب النظري، ولا يُحقق المرجو، رغم إصلاحات هنا وهناك.